سحبت مجلة “علوم السموم التنظيمية وعلوم الأدوية” دراسة نُشرت عام 2000، والتي كانت ذات أهمية كبيرة في الجدل الدائر حول سلامة مبيدات الأعشاب التي تحتوي على مادة الجليفوسات، بسبب مخاوف تتعلق بمؤلفي الدراسة وافتراضات حول تضارب المصالح. يأتي هذا القرار بعد سنوات من التدقيق والطعون في نزاهة البحث الذي استخدمته شركات مثل “مونسانتو” (التي استحوذت عليها “باير”) للدفاع عن منتجاتها.
وقد أعلنت المجلة عن سحب الدراسة رسميًا في أوائل ديسمبر الجاري، مشيرة إلى أن التحقيقات كشفت عن علاقات محتملة بين مؤلفي الدراسة وشركة “مونسانتو” لم يتم الكشف عنها بشكل كامل. كانت هذه الدراسة بمثابة حجر الزاوية في حجج الشركة، التي كانت تدعي أن مبيد الأعشاب “راوند أب” – الذي يعتمد على الجليفوسات كمكون فعال – لا يشكل خطرًا مسببًا للسرطان.
الجدل حول سلامة الجليفوسات وتأثيره على الأبحاث العلمية
أكدت شركة “باير”، وهي الشركة الأم لـ”مونسانتو”، أن أي ارتباط بين “مونسانتو” والدراسة قد تم الإفصاح عنه بشكل صحيح. ومع ذلك، تشير الأدلة إلى أن موظفين من “مونسانتو” قد لعبوا دورًا كبيرًا في صياغة الدراسة، دون أن يتم ذكرهم كمؤلفين مشاركين، مما يثير تساؤلات حول استقلالية البحث وشفافية النتائج.
وفقًا لمجلة “ساينس”، ارتكزت المخاوف على اكتشاف مراسلات بريد إلكتروني داخلية من “مونسانتو” تكشف عن تدخل الشركة في جوانب مختلفة من الدراسة. هذا الكشف أثار نقاشًا واسعًا حول تأثير المصالح التجارية على الأبحاث العلمية، خاصة فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية ومبيدات الأعشاب.
مخاوف بشأن تضارب المصالح والبيانات الناقصة
يشير رئيس تحرير المجلة، مارتن فان دن بيرغ، إلى أن هناك أسبابًا متعددة وراء سحب الدراسة، بما في ذلك تقييم دقيق لتسببها المحتمل في السرطان. وأوضح أن الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة، والتي تنفي وجود صلة بين الجليفوسات والسرطان، تعتمد بشكل كبير على دراسات أجرتها “مونسانتو” نفسها، والتي لم تظهر أي دليل على ذلك.
ومع ذلك، يوضح فان دن بيرغ أنه عند نشر الدراسة الأصلية، لم يتم أخذ نتائج الأبحاث الأخرى طويلة الأمد حول السمية المزمنة والسرطنة في الاعتبار بشكل كامل. هذا النقص في البيانات الشاملة يزيد من الشكوك حول مصداقية نتائج الدراسة الأصلية.
الكشف عن تمويل غير معلن وتعويضات محتملة
تُظهر الوثائق التي كُشف عنها خلال النزاعات القانونية علاقات مالية محتملة بين مؤلفي الدراسة وشركة “مونسانتو”. وتشير المراسلات إلى أنهم ربما تلقوا تعويضات مالية مقابل دورهم في البحث، وهو ما لم يتم الإفصاح عنه في البداية. هذا الأمر يُعمق المخاوف بشأن تضارب المصالح والتأثير المحتمل للمال على نتائج الدراسة.
أدت هذه القضية إلى تسليط الضوء على أهمية الشفافية والنزاهة في البحث العلمي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمنتجات التي يمكن أن يكون لها آثار صحية وبيئية كبيرة. يُعد هذا السحب بمثابة إشارة إلى أن المجلة العلمية تأخذ هذه المخاوف على محمل الجد وتسعى للحفاظ على معاييرها الأكاديمية.
تداعيات سحب الدراسة ومستقبل الأبحاث حول مبيدات الأعشاب
يتوقع خبراء في مجال الصحة البيئية أن يؤدي سحب هذه الدراسة إلى إعادة تقييم واسعة النطاق للأبحاث المتعلقة بـالجليفوسات وسلامة مبيدات الأعشاب بشكل عام، بالإضافة إلى مراجعة البروتوكولات المتبعة في الأبحاث الممولة من القطاع الخاص. يُنصح الباحثون والمؤسسات العلمية بتطبيق معايير أكثر صرامة للتحقق من الشفافية والاستقلالية في الأبحاث الممولة من الشركات.
في بيان رسمي، دافعت “باير” عن سلامة الجليفوسات، مشيرة إلى أن الهيئات التنظيمية العالمية قد أكدت مرارًا وتكرارًا أنه آمن للاستخدام عند تطبيقه وفقًا للتعليمات. ومع ذلك، تواصل هذه القضية إثارة الجدل حول سلامة هذه المادة الكيميائية، لا سيما في ظل الدعاوى القضائية التي رفعها أفراد يدعون أن التعرض لـالجليفوسات تسبب في إصابتهم بالسرطان.
من المتوقع أن تستمر المحاكم في نظر القضايا المتعلقة بسلامة الجليفوسات في الأشهر والسنوات القادمة. وسيتعين على الهيئات التنظيمية في جميع أنحاء العالم مراقبة التطورات في هذا المجال عن كثب واتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على أحدث الأدلة العلمية. يبقى المستقبل غير واضح، ولكن من المؤكد أن هذه القضية ستترك أثرًا دائمًا على مجال الأبحاث العلمية وتقييم المخاطر الصحية والبيئية.






