أكد مختصون أن التسامح يمثل قيمة إنسانية سامية وأحد ركائز تحقيق السلام والتعايش السلمي بين الأفراد والمجتمعات. وأشاروا إلى أن التسامح يتجاوز كونه فضيلة أخلاقية ليصبح أداة فعّالة لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، حيث يسهم في تقليل النزاعات ونشر الاحترام المتبادل.
وأوضحوا في حديثهم لـ”اليوم” بمناسبة اليوم العالمي للتسامح، أن هذه المناسبة تعكس أهمية قبول التنوع والاختلاف، وتعزز قيم الاحترام والتعايش بين الثقافات والمعتقدات المختلفة. وأكدوا أن نشر ثقافة التسامح يُعدّ أساسًا لبناء مجتمعات متماسكة ومستقرة، مما ينعكس إيجابيًا على الأفراد والمجتمع ككل.

أساس تعزيز السلم والأمان

وقال الأكاديمي والمستشار الشرعي والقانوني الدكتور يوسف الغامدي بأن: “التسامح يمثل مبدأً عظيمًا يُعدّ جوهرًا في تعزيز السلم والأمان بين الأفراد والمجتمعات”. وأكد أن “التسامح ليس مجرد فضيلة، بل هو واجب إنساني وأخلاقي يعكس عمق وعي الأفراد وتقديرهم لقيمة الآخر. بالتسامح نتعلم قبول اختلافاتنا الثقافية والدينية والاجتماعية، وندرك أن التنوع مصدر قوة لا ضعف”.

د. يوسف الغامدي

وأضاف الدكتور الغامدي أن التسامح يسهم في خلق بيئة مجتمعية آمنة يسودها الاحترام المتبادل، مما يدعم النمو الاقتصادي والاجتماعي من خلال تقليل النزاعات وإشاعة السلام. وأوضح أن التسامح على مستوى الأفراد يعزز الصحة النفسية والروحية، ويوفر راحة داخلية عظيمة، مشددًا على أن التسامح يعلّمنا النظر إلى الآخر بعين الرأفة والتقدير بعيدًا عن الأحقاد والصراعات. ووجه دعوة عامة إلى الجميع لاعتماد التسامح كمنهج حياة، قائلًا: “لنتخذ من التسامح منهجًا لحياتنا، فهو السبيل لتحقيق الوئام الذي نطمح إليه جميعًا.”
وفي ذات السياق، تحدثت الباحثة في القضايا الفكرية والمسؤولية المجتمعية والمستشارة الأسرية والتربوية ريم بنت عبدالرحمن رمزي، مشيرة إلى أن العالم يحتفل باليوم العالمي للتسامح في 16 نوفمبر من كل عام بهدف تعزيز القيم الإنسانية الأساسية مثل الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، وقبول التنوع.
وقالت إن “الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرّت هذا اليوم بهدف رفع الوعي بأهمية قيمة التسامح في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وسلامًا”. وأكدت أن مفهوم التسامح يتمحور حول قيم اجتماعية وثقافية مثل القبول واحترام تنوع الثقافات، والأديان، والأفكار دون تعصب أو تمييز، موضحة أن التسامح يتطلب التعايش السلمي مع اختلافاتنا، وتقبّل الآخرين رغم تباين خلفياتهم وثقافاتهم، مما يسهم في بناء مجتمع شامل يدعم الوحدة ويعزز التعاون ويحقق الوعي المجتمعي.

القدرة على مواجهة التحديات

وأضافت رمزي أن للتسامح دورًا رئيسيًا في استقرار المجتمعات وتماسكها، حيث إن وجود التسامح كقيمة سائدة وثقافة راسخة يقلل من مستويات العنف والصراع والتطرف والإرهاب، مما يؤدي إلى تقليل معدلات الجريمة والفساد وزيادة الأمن والأمان. وأكدت أن ذلك يحقق التوازن والاستقرار داخل المجتمع، ويعزز التعاون بين أفراده، ويشجعهم على العمل المشترك لتحقيق أهداف تنموية وتطويرية، مما يسهم في تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي ومعرفي مثالي.

175

ريم بنت عبدالرحمن رمزي

وأشارت إلى أن المجتمعات المتسامحة تكون أكثر قدرة على التكيف مع التحديات وتجاوزها، مستفيدة من التنوع الثقافي في تعزيز الإبداع والابتكار.
وبيّنت أن التسامح يؤثر إيجابيًا على الأفراد، حيث يقلل من التوتر والقلق الناتج عن الكراهية أو التمييز، ويعزز السعادة والرضا النفسي، كما يساعد في تكوين علاقات صحية ومتوازنة مع الآخرين بغض النظر عن الخلفيات أو العقائد المختلفة. وأوضحت أن التسامح يُمكّن الأفراد من اكتساب مهارات التواصل الإيجابي والتفكير النقدي البناء، مما يسهم في تطوير شخصياتهم وجعلهم أكثر تفهّمًا وتقبّلًا للآخر.
وشددت رمزي على أهمية اليوم العالمي للتسامح في توعية الناس بقيمة التسامح ورفض التمييز والتحيز والعنصرية، مشيرة إلى أن العديد من المنظمات المحلية والدولية تنظم فعاليات ومحاضرات وحملات توعوية لتسليط الضوء على أهمية التسامح ودوره الإيجابي في حياة الأفراد والمجتمع.
وقالت: “هذا اليوم يعدّ فرصة كبيرة لتحفيز الجميع على إعادة التفكير في سلوكياتهم وتطويرها بما يرسّخ ثقافة التسامح في حياتهم اليومية، فهو حجر الزاوية في بناء مجتمع مستقر ومزدهر.”

دور المملكة في نشر ثقافة التسامح

وأشادت الباحثة بدور المملكة العربية السعودية في نشر ثقافة التسامح على المستويين المحلي والدولي، حيث تحرص المملكة على تعزيز التعايش السلمي وقيم الاعتدال والوسطية من خلال رؤيتها الطموحة “رؤية السعودية 2030″، التي تهدف إلى تعزيز ثقافة التسامح داخل المجتمع السعودي وعلى مستوى العالم، مما يسهم في تحسين العلاقات بين الشعوب والأمم.
من جهتها، أوضحت المستشارة الشرعية “العنود هادي القحطاني” أن النظام في المملكة العربية السعودية يستمد سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مشيرة إلى أن هذه القيم تعد الأساس في تعزيز ثقافة التسامح داخل المجتمع. وقالت إن “وزارة العدل في المملكة خصصت مركز المصالحة (تراضي) لتقديم خدمات الصلح عبر مصلحين مؤهلين ومتخصصين في مختلف مسارات النزاع، مما يعكس حرص الدولة على نشر ثقافة التسامح وحل النزاعات وديًا.” وأكدت أن المركز أصدر ما يقارب 310 آلاف وثيقة صلح إلكترونية، مما أسهم في تخفيف الضغط على المحاكم وتعزيز العدالة الاجتماعية.

المصالحة قبل القضاء

وأشارت “القحطاني” إلى أن النظام يشجع الأطراف على المصالحة قبل رفع الدعاوى القضائية، حيث نصت المادة السادسة عشرة من نظام التكاليف القضائية على رد التكاليف المدفوعة في الدعاوى المنتهية بالصلح قبل الجلسة الأولى، مما يؤكد أهمية التسامح كوسيلة لحل النزاعات بطريقة ودية وعادلة. وأكدت أن مراكز المصالحة تقدم خدماتها بطريقة تضمن رضا الأطراف كافة، مشيرة إلى أن وثائق الصلح الصادرة عنها تحمل قوة السند التنفيذي، ما يضمن حفظ الحقوق والود بين الأطراف.
وشددت القحطاني على أن التسامح يمثل أحد روافد تعزيز العلاقات الاجتماعية وتثبيت الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع، مؤكدة أن التسامح يعكس قيم العدل والمساواة التي تنشر التلاحم المجتمعي والانسجام بين أفراده. وقالت: “إن اتخاذ خطوة نحو المصالحة يعزز الود بين الأطراف ويجنب المجتمع الضغائن والأحقاد، مما يرسخ ثقافة التسامح كركيزة أساسية لاستقرار المجتمع وازدهاره.”

شاركها.