فرضت وزارة الخارجية الأمريكية حظرًا على تأشيرات دخول لخمسة أفراد، بينهم مفوض أوروبي سابق، بتهمة إجبار منصات التواصل الاجتماعي الأمريكية على الرقابة وتقييد حرية التعبير. وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد التوتر بين واشنطن وبروكسل بشأن تنظيم المحتوى الرقمي، وتحديدًا قانون الخدمات الرقمية (DSA) الذي يعتبره البعض أداة للرقابة. وتعتبر هذه القضية المتعلقة بـ الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، ذات أهمية خاصة في سياق الحريات الرقمية وحقوق المستخدمين.

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن هذه الإجراءات يوم الثلاثاء، مشيرة إلى أن الأفراد المستهدفين “قادوا جهودًا منظمة لإجبار المنصات الأمريكية على الرقابة وتقليل الدعم المالي وقمع وجهات النظر الأمريكية التي يعارضونها”. ووفقًا لتصريحات مسؤولة في الوزارة، فإن هذه الجهود تمثل تدخلًا في حرية التعبير وحقوق الشركات الأمريكية.

قانون الخدمات الرقمية (DSA) والجدل الدائر حول الرقابة

أبرز الأسماء التي طالتها هذه القيود هو تييري بريتون، المسؤول الفرنسي السابق الذي شغل منصب المفوض الأوروبي للسوق الداخلية من عام 2019 إلى عام 2024. وتتهمه الخارجية الأمريكية بأنه “العقل المدبر” وراء قانون الخدمات الرقمية، وهو القانون الذي يهدف إلى تنظيم المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي في أوروبا.

ينص قانون الخدمات الرقمية على ضرورة أن توضح المنصات الكبرى قراراتها المتعلقة بإدارة المحتوى، وأن توفر الشفافية للمستخدمين، وأن تضمن إمكانية وصول الباحثين إلى البيانات اللازمة لفهم تأثير المحتوى على المستخدمين، وخاصة الأطفال.

إلا أن بعض المحافظين الأمريكيين يرون في هذا القانون أداة للرقابة تستهدف وجهات النظر اليمينية في أوروبا وخارجها، وهو اتهام ترفضه السلطات الأوروبية بشدة.

ردود الفعل على الإجراءات الأمريكية

أعرب تييري بريتون عن رفضه لهذه الإجراءات عبر منصة X، مستنكرًا ما وصفه بـ “حملة مطاردة السحرة” على غرار حملات ماكارثي في الخمسينيات. وأكد أن قانون الخدمات الرقمية حظي بموافقة ساحقة من البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء، مشيرًا إلى أنه لا يهدف إلى التدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة.

وانتقد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو هذه القيود، مؤكدًا أن أوروبا “لن تسمح بفرض قواعد على الفضاء الرقمي الخاص بها من قبل الآخرين”. وأضاف أن قانون الخدمات الرقمية لا يمتلك أي نطاق إقليمي خارج أوروبا ولا يؤثر بأي شكل من الأشكال على الولايات المتحدة.

كما رفضت المنظمات غير الربحية المستهدفة، وهي HateAid و Global Disinformation Index و Center for Countering Digital Hate، الاتهامات الموجهة إليها، واصفة إياها بـ “الخاطئة وغير المؤسسة”.

وتأتي هذه الإجراءات بعد انتقادات سابقة وجهها نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، لجهود الرقابة في أوروبا، والتي اتهمها بـ “تهديد وحمل” شركات التواصل الاجتماعي لقمع المعلومات التي تعتبرها غير مرغوب فيها.

يذكر أن هذه القضية بدأت تتصاعد بعد رسالة أرسلها بريتون إلى إيلون ماسك، مالك منصة X، في أغسطس الماضي، حذره فيها من ضرورة الامتثال لقانون الخدمات الرقمية قبل إجراء مقابلة مع المرشح الرئاسي الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب.

وفي فبراير الماضي، انتقد فانس ما وصفه بجهود الرقابة في أوروبا خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، مشيرًا إلى مثال نظرية تسرب فيروس كورونا من مختبر.

بالإضافة إلى ذلك، وجدت المفوضية الأوروبية أن منصة X التابعة لماسك قد خالفت قواعد قانون الخدمات الرقمية المتعلقة بالشفافية في الإعلانات وطرق التحقق، مما أثار غضبًا واسعًا في الولايات المتحدة.

تعتبر قضية تنظيم المحتوى الرقمي معقدة وتثير تساؤلات حول التوازن بين حرية التعبير وحماية المستخدمين من المعلومات المضللة والمحتوى الضار. كما أنها تسلط الضوء على التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن هذا الموضوع.

من المتوقع أن تشهد العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مزيدًا من التوتر في هذا الملف، خاصة مع استمرار الجدل حول قانون الخدمات الرقمية وتأثيره المحتمل على حرية التعبير. ويراقب المراقبون عن كثب رد فعل الاتحاد الأوروبي على هذه الإجراءات الأمريكية، وما إذا كانت ستؤدي إلى اتخاذ إجراءات مماثلة ضد مسؤولين أمريكيين. كما أن مستقبل حرية التعبير على الإنترنت يظل غير واضحًا، مع استمرار النقاش حول أفضل السبل لتنظيم المحتوى الرقمي.

وتشير التقارير إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية قد تدرس اتخاذ المزيد من الإجراءات المشابهة في المستقبل القريب، خاصة إذا استمرت في الاعتقاد بأن قانون الخدمات الرقمية يمثل تهديدًا لحرية التعبير وحقوق الشركات الأمريكية.

شاركها.