تصاعدت التوترات شمالي مدينة حلب في سوريا، حيث اندلعت اشتباكات بين قوات الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). تتجاوز هذه الاشتباكات كونها مواجهة ميدانية محدودة، وتشير إلى تصدع في اتفاق العاشر من مارس/آذار الماضي، خاصةً مع اقتراب انتهاء المهلة الممنوحة لتنفيذ بنوده، مما يثير تساؤلات حول مستقبل اتفاق دمج قسد في مؤسسات الدولة السورية.

تعتبر الحكومة السورية هذه الاشتباكات تصعيدًا مقصودًا يهدف إلى فرض أمر واقع قبل استحقاق دمج قسد، وفقًا لبيان صادر عن وزارة الدفاع السورية. وأكدت الوزارة أن قواتها ردت على مصادر نيران استهدفت نقاط أمنية، بينما اتهمت قسد ببدء الهجوم.

تداعيات الاشتباكات على اتفاق دمج قسد

في المقابل، قدم ممثل مجلس سوريا الديمقراطية، رزكار قاسم، رواية مختلفة، ملقيًا باللوم على الحكومة السورية والفصائل التابعة لها في إطلاق ما وصفه بالهجوم. ويرى قاسم أن التصعيد يعكس تدخلًا تركيًا مباشرًا لإفشال اتفاق مارس/آذار ومنع استكمال خطواته، مشيرًا إلى تصريحات المسؤولين الأتراك الأخيرة التي تعبر عن قلقهم من الاتفاق.

يربط قاسم الأحداث الميدانية بالتحركات السياسية والأمنية التركية، معتبرًا أن أنقرة تسعى من خلال الفصائل المتحالفة معها إلى إعاقة أي تفاهم سوري-سوري. ويضيف أن الاتفاق كان قابلاً للتنفيذ لولا ما أسماه “الوصاية التركية” على القرار في دمشق، مؤكدًا أن أي إخفاق في تطبيقه يعود إلى ضغوط خارجية وليس لغياب الإرادة لدى قسد.

إلا أن هذا الطرح يواجه رفضًا من الجانب الحكومي، الذي يشدد على أن قسد لم تبدِ التزامًا حقيقيًا بأي من بنود الاتفاق، بما في ذلك دمج المؤسسات العسكرية والأمنية، وبسط سيطرة الدولة على المعابر وحقول الطاقة. ويؤكد مسؤولون حكوميون أن قسد لم تتخذ خطوات ملموسة نحو تحقيق هذه الأهداف.

تحليل سياسي للأزمة

يرى الباحث السياسي كمال عبدو أن التصعيد الأخير جاء نتيجة تحشيد عسكري مسبق قامت به قسد داخل حيي الشيخ مقصود والأشرفية، بما في ذلك نشر قناصين وحواجز. ويعتبر هذا التحشيد دليلًا على قرار متعمد بتفجير الوضع وخلط الأوراق ميدانيًا.

ويضيف عبدو أن قسد تدرك أنها وصلت إلى “نقطة اللاعودة” مع اقتراب نهاية المهلة دون تنفيذ أي بند جوهري من الاتفاق، مما دفعها إلى رفع منسوب التوتر أملاً في تدخل إقليمي أو دولي لإعادة ترتيب المشهد. ويشير إلى أن هذا المسار قد يفتح الباب أمام تدويل أوسع للأزمة، في ظل تداخل الأدوار التركية والإسرائيلية والأميركية في المنطقة.

وفي المقابل، يرى عبدو أن الحكومة السورية فضلت حتى الآن المسار التفاوضي، على الرغم من الضغوط التركية المتزايدة لإنهاء ملف قسد عسكريًا. ويؤكد أن دمشق تسعى إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وتجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى تدخل خارجي.

الأثر الميداني والمدني

أدت الاشتباكات إلى انعكاسات سلبية على حياة المدنيين، حيث تم إغلاق الطريق الدولي بين حلب وغازي عنتاب، ونزحت عشرات العائلات من محيط حي الليرمون. وتسببت الاشتباكات أيضًا في وقوع إصابات وحالات وفاة، وفقًا لتقارير إعلامية محلية.

ونفت وزارة الدفاع السورية في بيان لها ما نشرته قنوات قسد حول هجوم الجيش على مواقعها في حيي الشيخ مقصود والأشرفية. وأكدت الوزارة أن قسد هاجمت نقاط انتشار الجيش بشكل مفاجئ، مما أدى إلى مقتل مدني وإصابة آخرين، بينهم أطفال.

من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيدًا من التوتر في المنطقة، خاصةً مع اقتراب انتهاء المهلة المحددة لتنفيذ بنود اتفاق دمج قسد. وستعتمد التطورات المستقبلية على قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى حلول سياسية وعسكرية تضمن استقرار المنطقة وحماية المدنيين. يجب مراقبة ردود الفعل الإقليمية والدولية، وخاصةً مواقف تركيا وروسيا والولايات المتحدة، لتحديد مسار الأزمة المحتمل.

شاركها.