أعلنت وزارة المالية البيان التمهيدي للميزانية العامة للمملكة للعام المالي 2025 م.
وتوقعت الوزارة أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العام 2024م نمواً بنسبة 0.8% مدعومًا بنمو الأنشطة غير النفطية التي من المتوقع أن تسجل ما يقارب 3.7%

تطورات الاقتصاد السعودي

وشهد الاقتصاد السعودي تطورات إيجابية ملموسة في الأعوام القليلة الماضية، مع استمرار التحول نحو تنويع القاعدة الاقتصادية، وتعزيز نمو الأنشطة غير النفطية.
إذ انعكس ذلك بشكل إيجابي على ارتفاع مستويات التوظيف، ومن ثم انخفاض معدل البطالة، والإسهام في نمو الاستهلاك والاستثمار الخاص.
كما ويعزز ذلك المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي شهدها النصف الأول من العام الحالي، لا سيما المتعلقة بالاستهلاك والاستثمار الخاص، وتعزيز الخصخصة، وتحسين بيئة العمل، وتمكين المرأة والشباب.
هذا بالإضافة إلى استراتيجيات ومشاريع رؤية السعودية 2030، كما أنه من المتوقع أن يسهم انخفاض أسعار الفائدة مؤخراً في ارتفاع الطلب مما قد يؤثر بشكل إيجابي على النمو الاقتصادي.

التضخم في السعودية

كما شهد معدل الاستهلاك الخاص نمواً بلغ 2.4% في النصف الأول من العام 2024م، مدفوعاً بمساهمة نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق، إضافة إلى تسهيل إجراءات تأشيرة زيارة المملكة وتوسيع الفئات المؤهلة لها، وانعكاساتها على زيادة أعداد زوار الفعاليات الترفيهية والثقافية والوجهات السياحية.
هذا وسجل متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلك ارتفاعاً عند 1.6% منذ بداية العام 2024م حتى شهر أغسطس من العام ذاته مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.
وتشير التوقعات الأولية إلى وصول الرقم القياسي لأسعار المستهلك للعام 2024م كاملاً إلى حوالي 1.7%؛ إذ حافظت المملكة على مستويات مقبولة مقارنة بالتضخم العالمي بفضل التحسن المستمر في الظروف الاقتصادية لها.
إضافةً إلى التدابير الاستباقية والسياسات التي اتخذتها الحكومة لاحتواء ارتفاع الأسعار، والتي شملت وضع سقف لأسعار البنزين، ورفع مستوى وفرة المخزون الغذائي.

أداء إيجابي للأنشطة غير النفطية

وانعكس الأداء الإيجابي الذي شهدته الأنشطة غير النفطية على مؤشرات سوق العمل، فقد أظهرت بيانات مسح القوى العاملة الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء تراجع معدل البطالة الإجمالي إلى 3.3% بنهاية الربع الثاني من العام 2024م، مقارنة بنحو 4.1% بنهاية الربع الثاني من العام 2023م، وانخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوى تاريخي له.
إذ بلغ في الربع الثاني من العام 2024م 7.1% مقابل 8.5% في الربع الثاني من العام 2023م، مقترباً بذلك من مستهدف رؤية السعودية 2030 البالغ 7%.
وتعزى هذه التطورات الإيجابية إلى جهود حكومة المملكة في وضع المحفزات والممكنات لتشجيع قطاع الأعمال إلى جانب تمكين المواطنين وتعزيز مهاراتهم بإتاحة أنماط عمل جديدة وخلق فرص عمل في قطاعات متنوعة.
والسنوات الماضية شهدت ارتفاعاً متواصلاً لمعدلات مشاركة المرأة في سوق العمل؛ إذ بلغت 35.4% في الربع الثاني من العام 2024م مقارنة بنحو 19.3% في الربع الرابع من العام 2016م، متجاوزةً بذلك مستهدف رؤية السعودية 2030 الواقع عند 30%.
واقتربت من المستهدف الجديد البالغ 40%؛ مما يعكس الجهود المبذولة خلال الفترة الماضية لتمكين المرأة ورفع إسهامها في الاقتصاد السعودي وتعزيز دورها القيادي.

العاملون السعوديون في القطاع الخاص

كما شهد إجمالي أعداد العاملين السعوديين في القطاع الخاص ارتفاعاَ بنهاية الربع الثاني من العام 2024م بنسبة 4.1%، بحوالي 92 ألف عامل مقارنة بنهاية الربع الثاني من العام 2023م، ليصل إجمالي عددهم إلى 2.3 مليون عامل، وذلك إثر الإصلاحات والمبادرات التي تبنتها الحكومة.
وأدت إلى خلق فرص عمل جديدة ونوعية في قطاعات متنوعة كالسياحة والترفيه والتقنية الرقمية، ودعم وتشجيع ريادة الأعمال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والعمل على تحفيز القطاعات الناشئة مثل: الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر.
ويتوقع أن يستمر الأداء الإيجابي للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العام 2025م؛ إذ تشير التقديرات الأولية إلى أنه سيحقق نمواً بنسبة 4.6%، مدفوعاً بنمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية؛ مما يعكس التزام المملكة بتنفيذ إستراتيجياتها الطموحة وتحقيق التنمية المستدامة، ويزيد ثقة المستثمرين ويعزز مكانة الاقتصاد السعودي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتواصل برامج تحقيق رؤية السعودية 2030، إنجاز مستهدفاتها في بناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ينعم به الجميع في ظل وطن طموح، بتحسين جودة الحياة وتطوير البنية التحتية وخلق الفرص الوظيفية وتطوير القطاع المالي وغيرها من الأهداف التنموية المختلفة.

مشروعات صندوق الاستثمارات العامة

كما يواصل صندوق الاستثمارات العامة تعزيز عائدات المملكة عبر استثماراته المحلية والإقليمية والدولية؛ إذ ركزت إستراتيجيته على تعظيم أصوله، وإطلاق قطاعات إستراتيجية جديدة وواعدة في المملكة.
إضافة إلى توطين التقنيات ونقل المعرفة، وتمكين القطاع الخاص المحلي، وتأسيس شراكات اقتصادية إستراتيجية على جميع الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية.
وقد حقق الصندوق في نهاية شهر أغسطس من العام 2024م ارتفاعاً في حجم الأصول التي يديرها والتي بلغت قيمتها حوالي 3.47 تريليون ريال بزيادة مقدارها 21% مقارنة بـ 2.87 تريليون ريال في نهاية العام 2023م.
وساهم الصندوق في استحداث أكثر من 1.1 مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة محلياً وعالمياً، بالإضافة إلى تأسيس 95 شركة محلية في العديد من القطاعات منذ العام 2017م.
وأسهمت زيادة مشاركة القطاع الخاص والنمو المستمر في مجموعة من القطاعات الواعدة في تقليل تأثير تقلبات أسواق البترول على الاقتصاد المحلي؛ مما انعكس بشكل إيجابي على توقعات المنظمات الدولية لأداء الاقتصاد السعودي رغم التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي.
ففي حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ النمو الاقتصادي العالمي 3.3% بحلول العام 2025م، توقع أن يشهد اقتصاد المملكة نمواً تبلغ نسبته 4.7%.

دور وأهداف صندوق التنمية الوطني

ويؤدي صندوق التنمية الوطني دوراً محورياً في تعزيز الاستقرار الاقتصادي ودعم التنمية الوطنية منذ إطلاق رؤية السعودية 2030؛ إذ يهدف إلى رفع مستوى أداء الصناديق والبنوك التنموية في المملكة وتعزيز استدامتها بما يخدم أولويات التنمية والاحتياجات الاقتصادية ويضمن الاستثمار الأمثل لرأس المال وتوظيفه في مشاريع مستدامة ذات أثر واعد.
ويتوقع أن يشهد الميزان التجاري للمملكة تحسناً ملحوظاً نظراً لزيادة الصادرات غير النفطية التي سجلت نمواً سنوياً بمعدل 65% خلال النصف الأول من العام 2024م مقارنة بالفترة المماثلة من العام 2016م وتقليل الاعتماد على الواردات.
ويأتي هذا التحسن المتوقع في إطار التنفيذ المستمر لمبادرات رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات في القطاعات غير النفطية.
هذا وحقق الاستثمار الخاص نمواً سنوياً بمعدل 4.5% في النصف الأول من العام 2024م، فيما وصل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال النصف الأول من العام 2024م إلى مستوى 21.2 مليار ريال.
ومن المتوقع أن يستمر الاستثمار الخاص في تحقيق معدلات نمو إيجابية للعام 2024م والمدى المتوسط؛ إذ يعد من أهم المحركات لتوقعات النمو الإيجابية خلال السنوات القادمة، ومحوراً مهماً في خطة تنويع موارد اقتصاد المملكة.

تقديرات المالية العامة للعام المقبل

من المقدر أن تسجل الميزانية عجزاً بحوالي 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2025م، مـع توقـع اسـتمرار تسجيل عجوزات فـي الميزانيـة علـى المـدى المتوسـط عند مستويات مقاربة نسبياً.
ويأتي هذا نتيجة تبني الحكومة لسياسات الإنفاق التوسعي الداعم للنمو الاقتصادي بهدف تنويع القاعدة الاقتصادية والتركيز على القطاعات ذات العائدين الاقتصادي والاجتماعي المستدام، مع الاستمرار في تحقيق المبادرات المتعلقة برؤية السعودية 2030،
وتعكس ميزانيـة العام 2025م عزم حكومـة المملكـة على التقدم بوتيرة أسرع في تنفيذ الإصلاحات وتطوير السياسات، بالإضافة إلى التوسع في الإنفاق التحولي الهادف إلى تعزيز النمو الاقتصادي المستدام؛ مما يسهم في تعزيز جودة الحياة.

الإيرادات السعودية في العام 2025

وتشير التوقعات الأولية إلى أن إجمالي الإيرادات في العام 2025م سيبلغ نحو 1,184 مليار ريال، ومن المقدر أن ينمو إجمالي الإيرادات ليصل إلى حوالي 1,289 مليار ريال في العام 2027م مدعوماً بتوقعات النمو الاقتصادي المحلي والعالمي.
وتستمر الحكومة في تنفيذ المبادرات والإصلاحات في الجانب الاقتصادي والمالي ضمن رؤية السعودية 2030 سعياً إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز الإيرادات غير النفطية.

النفقات في الميزانية السعودية

وبخصوص النفقات يتوقع أن يبلغ إجمالي النفقات حوالي 1,285 مليار ريال في العام 2025م؛ أي ما يمثل نحو 29.5% من الناتج المحلي الإجمالي، و1,328 مليار ريال في العام 2026م بنسبة 30.0% من الناتج المحلي الإجمالي، وصولاً إلى ما يقارب 1,429 مليار ريال في العام 2027م، بما يمثل 30.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتستكمل الحكومة جهودها في تعزيز استدامة المالية العامة وتحقيق المستهدفات التنموية الشاملة، عبر المراجعة الدورية لتقديرات أسقف النفقات على المدى المتوسط وفق المستجدات المالية والاقتصادية المحلية والعالمية في إطار الحيّز المالي المتاح في مشروع التخطيط المالي طويل المدى.
كما تستمر الحكومة في الإنفاق على الخدمات الأساسية للمواطنين والمقيمين، إضافة إلى تعزيز جودة الحياة وتطوير الخدمات الحكومية في مجالات التعليم والصحة، والتنمية الاجتماعية وكذلك تطوير البنية التحتية في مختلف مناطق المملكة، مع تمكين القطاع الخاص، وتنمية المحتوى المحلي والصناعات الوطنية، وتحفيز البيئة الاستثمارية لتحقيق التنمية الشاملة.

التصنيف الائتماني للسعودية

وانعكست التطورات الاقتصادية والمالية التي تشهدها المملكة على تصنيفاتها الائتمانية؛ إذ أكدت وكالة التصنيف الائتماني “فيتش” تصنيف المملكة عند “+A” مع نظرة مستقبلية “مستقرة”، كما أكدت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” تصنيفها للمملكة عند “A1” مع نظرة مستقبلية “إيجابية”.
كما أكدت وكالة “ستاندرد آند بورز” تصنيفها الائتماني للمملكة عند “A” مع تعديل النظرة المستقبلية من “مستقرة” إلى “إيجابية”، نتيجةً لتبني الحكومة سياسات مالية تسهم في المحافظة على الاستدامة المالية وكفاءة التخطيط المالي.
وتتمتع المملكة بمركز مالي قوي ومتين متمثلاً في وجود احتياطيات مالية ومستويات مستدامة من الدين العام تسهم في تمكين الحكومة من مواجهة أي تحديات مستقبلية، وتأمين احتياجاتها من التمويل على المديين القصير والمتوسط والطويل من مختلف الأسواق المحلية والعالمية.
كما تعمل الحكومة على الاستمرار في تلبية الاحتياجات التمويلية وفقاً لخطة الاقتراض السنوية المعتمدة لتمويل العجز المتوقع في الميزانية ولسـداد أصـل الديـن المستحق في العام 2025م، إلى جانب البحث عن الفرص المتاحـة بحسـب أوضـاع السـوق لتنفيـذ عمليـات تمويليــة إضافيــة بشكل استباقي لســداد مستحقات أصــل الديــن للأعوام القادمـــة.
بالإضافة إلى تمويـــل بعـــض المشـــاريع الإستراتيجية، والاستفادة من فـــرص الأسواق لتنفيـــذ عمليـــات التمويـــل الحكومـــي البديـــل التــي مــن شــأنها تعزيــز النمــو الاقتصادي مثــل تمويـل المشــاريع الرأسـمالية والبنيــة التحتيــة، لتنويع قنوات التمويل حفاظاً على كفاءة الأسواق وتعزيز عمقها.

عوامل المخاطر على المالية العامة للعام 2025م

تمثل عملية تحليل مخاطر المالية العامة التي تواجه اقتصاد المملكة عاملاً رئيساً في فهم العوامل التي قد تؤدي إلى الانحراف عن توقعات المالية العامة للعام 2025م وعلى المدى المتوسط؛ مما سيسهم في تبني السياسات والإستراتيجيات الاحترازية الفعّالة للتعامل مع تلك المخاطر بشكل استباقي والتخفيف من آثارها على الاقتصاد المحلي.
وأسهمت السياسة المالية التوسعية التي تتبناها حكومة المملكة في الحـد من آثار ارتفاع أسعار الفائدة على القطاع الخاص والأفراد؛ فقد مكنت زيادة التوظيف من الحد من انخفاض القروض الاستهلاكية، كما وأسهم التوسع في المشاريع الرأسـمالية فـي نمو الائتمان الممنوح للقطاع الخاص.
وسيسهم التوسع في الإنفاق الحكومي الإستراتيجي والاستمرار في عمليات الاقتراض حسب توجهات المملكة الإستراتيجية وفقاً لرؤية السعودية 2030 في دعم نمو الأنشطة غير النفطية على المدى المتوسط والطويل، كما تتسم المالية العامة بالمرونة والقدرة على مواجهة الضغوطات في حال دعت الحاجة على المديين المتوسط والطويل.
وتواصل المملكة جهودها في تعزيز مرونة الاقتصاد ليتجاوز العديد من التحديات التي واجهته في السنوات الماضية، واتضح أثر ذلك على معدلات التضخم التي استقرت عند مستويات مقبولة نسبياً مقارنة بدول العالم.
ويتأثر الاقتصاد السعودي بالتطورات العالمية كأي اقتصاد آخر؛ مما يستدعي توفير حيّز مالي كافٍ يساعد على مواجهة تلك الصدمات؛ لذا عملت المملكة على التخطيط المالي طويل المدى الذي يساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي ودعم النمو المستدام، وخلق بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين، مما يعزز التنمية الاقتصادية على المديين المتوسط والطويل.

شاركها.