شهد العالم، منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته الثانية في بداية عام 2025، تحولات جيوسياسية واقتصادية كبيرة. وقد أعادت هذه التحولات التركيز على سياسة “أمريكا أولًا” بطريقة أكثر وضوحًا وتأثيرًا. وتُظهر التحليلات الصحفية العالمية أن السنة الأولى من ولاية ترامب الثانية اتسمت بتصعيد دبلوماسي في بعض الملفات، ومرونة تكتيكية في ملفات أخرى، مما أثر بشكل مباشر على التوازنات الدولية.

وقد اتخذ الرئيس ترامب، فور عودته إلى البيت الأبيض، سلسلة من الإجراءات التي تعكس رؤيته “أمريكا أولًا”، مدعومة بعدد كبير من الأوامر التنفيذية، على الرغم من تعليق بعض هذه القرارات من قبل المحاكم. وشملت هذه الإجراءات فرض رسوم جمركية أدت إلى حروب تجارية مع العديد من الدول، بما في ذلك حلفاء تقليديين للولايات المتحدة، بالإضافة إلى عمليات ترحيل واسعة النطاق للمهاجرين غير النظاميين وإعادة هيكلة كبيرة في الحكومة الفيدرالية.

تأثير سياسة ترامب على الاقتصاد العالمي

أحدثت عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية تغييرات ملحوظة في السياسة العالمية خلال عام 2025، وامتد تأثير هذه التغييرات ليشمل الولايات المتحدة نفسها. وقد أثار ترامب حالة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي من خلال زيادة الرسوم الجمركية على الواردات من معظم دول العالم.

اضطر الاتحاد الأوروبي إلى التوقيع على اتفاقية تجارية وصفها بعض المسؤولين الأوروبيين بأنها “غير عادلة”، بينما طالبت دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وتشير التقارير إلى أن هذه السياسات تهدف إلى إعادة التفاوض على شروط التجارة الدولية لصالح الولايات المتحدة.

ردود الفعل الداخلية والخارجية

انتقد معارضو ترامب في واشنطن هذه الإجراءات باعتبارها تحديًا للحقوق الأساسية، مشيرين إلى إرسال قوات الحرس الوطني إلى مدن يقودها الديمقراطيون، ومواجهة وسائل الإعلام، ومحاربة برامج التنوع والشمول. وكشفت استطلاعات الرأي عن تزايد الاستياء الشعبي الأمريكي من ارتفاع تكلفة المعيشة، وهو ما انعكس على النتائج المخيبة للآمال للحزب الجمهوري في الانتخابات المحلية في ولايات مثل نيويورك ونيوجيرسي وفرجينيا وكاليفورنيا، مما وضع الحزب في موقف صعب قبل الانتخابات النصفية المتوقعة في خريف 2026.

فيما يتعلق بالتجارة، سعى ترامب منذ اليوم الأول لفرض تعريفات جمركية على السلع المستوردة، مع اختلاف النسب باختلاف الدولة. وشملت هذه التعريفات قطاعات استراتيجية مثل الصلب والألومنيوم والنحاس. وقد ردت الدول المتضررة بتدابير تجارية مماثلة، مما أدى إلى مفاوضات صعبة أسفرت عن اتفاقيات متعددة، بما في ذلك اتفاق مع الاتحاد الأوروبي وآخر مع الصين في نهاية أكتوبر، مما يمثل بداية لتهدئة التوترات التجارية. ومع ذلك، لا تزال المفاوضات مع المكسيك معلقة، بينما تم تعليق المحادثات مع كندا بعد تصريحات من أوتاوا اعتبرها ترامب معادية للحمائية.

السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب الثاني

وصفت الصحف الأوروبية العلاقات مع واشنطن في عام 2025 بأنها “شراكة متوترة”. فقد انتقد ترامب علنًا السياسات التجارية والدفاعية للاتحاد الأوروبي، مطالبًا الدول الأوروبية بتحمل المزيد من الأعباء داخل حلف الناتو. ومع ذلك، استمر التعاون في مجالات الأمن والطاقة، خاصة في ظل الحرب في أوكرانيا، حيث حافظت الولايات المتحدة على دعمها العسكري لكييف، مع ممارسة ضغوط متزايدة على أوروبا لزيادة مساهمتها في تمويل الحرب وإدارة تبعاتها.

أعاد ترامب فتح قنوات الاتصال الدبلوماسية مع روسيا، واتخذ موقفًا متقلبًا تجاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وبالرغم من استمرار دعمه لأوكرانيا، سعى ترامب إلى الحصول على حقوق الوصول إلى المعادن الاستراتيجية الأوكرانية. وقد شهدت عودة ترامب إلى السلطة جهودًا جادة لإنهاء الحرب في أوكرانيا التي بدأت في عام 2022، وترافقت هذه الجهود مع تقلبات في موقفه تجاه الرئيس بوتين، بالإضافة إلى انتقادات حادة للرئيس زيلينسكي في فبراير الماضي. وقد أشرف ترامب على محادثات مباشرة بين الجانبين الروسي والأوكراني في إسطنبول، وعقد قمة مع بوتين في ألاسكا، لكن هذه الجهود لم تسفر عن أي تقدم ملموس نحو السلام.

في الوقت نفسه، نفذت إدارة ترامب تدخلًا عسكريًا محدودًا ضد فنزويلا، اقتصر حتى الآن على غارات جوية على سفن يُزعم أنها متورطة في تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة. وفي الداخل الأمريكي، استمرت عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وتم تفكيك أجزاء من الحكومة الفيدرالية، بما في ذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، واستمرت الهجمات على المعارضين ووسائل الإعلام.

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، واصلت إدارة ترامب دعمها القوي لإسرائيل، خاصة في ملفات غزة وإيران، مع الإبقاء على الخيار العسكري “مطروحًا على الطاولة”. ومع ذلك، كشفت تقارير صحفية غربية عن ضغوط أمريكية غير معلنة على الحكومة الإسرائيلية لاحتواء التوتر في الضفة الغربية، خشية تصعيد إقليمي أوسع. وشهد عام 2025، أخيرًا، بعد أكثر من عامين من القتال، وقفًا لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة، برعاية مصرية كبيرة.

على الرغم من أن الوضع لا يزال هشًا، مع تبادل الاتهامات بانتهاك وقف إطلاق النار، إلا أن المجتمع الدولي والوسطاء المعنيين بالقضية لا يزالون يتمسكون بشروط الهدنة وإدخال المساعدات إلى القطاع وبحث سبل إعادة الإعمار بعد الدمار الهائل الذي أحدثته القوات الإسرائيلية.

من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة استمرار المفاوضات حول الملفات التجارية والأمنية، مع التركيز على التوترات في أوكرانيا والشرق الأوسط. وستكون الانتخابات النصفية في خريف 2026 بمثابة اختبار حقيقي لمدى شعبية سياسات ترامب، وستحدد مسار السياسة الأمريكية في السنوات المقبلة. يبقى من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتمكن من تحقيق توازن بين مصالحها الوطنية والتزاماتها الدولية في ظل هذه الظروف المتغيرة.

شاركها.