على الرغم من الانخفاض الكبير في أسعار النفط العالمية إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2021، إلا أن أسعار الوقود في مصر لم تشهد أي تغيير حتى الآن. هذا الأمر يثير تساؤلات لدى المواطنين حول إمكانية انعكاس هذا الهبوط في أسعار النفط على تكلفة الطاقة محلياً، خاصةً مع استمرار دعم الحكومة لبعض المنتجات البترولية. وتعتبر قضية أسعار الوقود في مصر من القضايا الحساسة التي تؤثر بشكل مباشر على مختلف القطاعات الاقتصادية.
شهد خام غرب تكساس الوسيط انخفاضاً إلى ما دون 55 دولاراً للبرميل خلال شهر ديسمبر الجاري، وهو أدنى سعر له منذ فبراير 2021. كما انخفض سعر مزيج برنت، المقياس العالمي للنفط، إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل. ويعزى هذا التراجع إلى زيادة المعروض من النفط من قبل دول أوبك+ ودول أخرى في الأمريكتين، بالإضافة إلى ضعف النمو الاقتصادي العالمي وتوقعات بوجود فائض في المعروض.
الوضع الحالي لأسعار الوقود في مصر
أكد مسؤول حكومي، طلب عدم الكشف عن هويته، أن الأسعار الحالية للمواد البترولية تعكس بالفعل تكلفة توفيرها، على الرغم من انخفاض أسعار النفط العالمية. وأضاف أن لجنة تسعير الوقود تقوم بحساب حصة مصر من النفط الخام المنتج محلياً بسعر الصفر، مشيراً إلى أن الدعم لا يزال قائماً على بعض المنتجات، وعلى رأسها أسطوانة غاز الطهي.
تعتمد لجنة تسعير الوقود في تحديد أسعار الوقود على عدة عوامل، بما في ذلك متوسط أسعار النفط العالمية، وسعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري، وتكاليف الإنتاج والتشغيل. وقد تم تأسيس هذه اللجنة في يوليو 2019 بهدف مراجعة الأسعار بشكل دوري.
في موازنة العام المالي 2024-2025، حددت الحكومة المصرية سعر 75 دولاراً للبرميل الواحد، وهو أقل من السعر الحالي في السوق العالمية. ويأتي هذا التخفيض في ظل تراجع أسعار النفط بنسبة 20% منذ بداية العام المالي.
تأثير الدعم على التكاليف الفعلية
وفقاً لمدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، فإن التكاليف الفعلية للوقود، وخاصة السولار والبنزين، لا تزال مرتفعة، مما يستدعي استمرار الدعم الحكومي. وأشار إلى أن دعم أسطوانة غاز الطهي الواحدة يتراوح بين 150 و170 جنيهاً يومياً، مما يعني أن الدولة تنفق حوالي 200 مليون جنيه يومياً على دعم غاز الطهي.
وتشير التقديرات إلى أن سعر بنزين 95 يجب أن يصل إلى حوالي 27 جنيهاً للتر، وسعر بنزين 92 إلى 26.2 جنيهاً للتر، وسعر السولار إلى ما بين 23 و24 جنيهاً للتر، وذلك عند احتساب التكلفة الفعلية وسعر صرف الدولار والضرائب. في حين أن الأسعار الحالية في السوق أقل من ذلك بكثير.
اعتماد مصر على استيراد المشتقات النفطية
أشار أسامة كمال، وزير البترول الأسبق ورئيس لجنة الطاقة في مجلس الشيوخ، إلى أن مشكلة دعم الوقود في مصر ترتبط بشكل أساسي بالفجوة بين الإنتاج المحلي والاستيراد، بالإضافة إلى تراجع قيمة الجنيه وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة. وأضاف أن مصر تعتمد على استيراد حوالي 225 ألف برميل نفط يومياً لتغطية احتياجاتها، حيث يبلغ الاستهلاك اليومي 750 ألف برميل، في حين يتراوح الإنتاج المحلي بين 510 و540 ألف برميل.
على الرغم من أن انخفاض أسعار النفط العالمية يعتبر أمراً إيجابياً لمصر، إلا أن كمال حذر من أن انخفاض الأسعار إلى ما دون 55 أو 60 دولاراً للبرميل قد يثبط شركات الإنتاج العالمية عن الاستثمار في البحث والاستكشاف عن النفط.
تخفيض الدعم الحكومي
في خطوة تهدف إلى تخفيف العبء على الموازنة العامة، قررت الحكومة المصرية تخفيض دعم الوقود بنسبة 50% في موازنة العام المالي 2025/2026، حيث تم تخصيص 75 مليار جنيه لدعم الوقود، مقارنة بـ154 مليار جنيه في الموازنة السابقة. وقد رفعت الحكومة أسعار الوقود في أبريل الماضي بنسبة تصل إلى 13%، متوقعة تحقيق وفورات تقدر بـ35 مليار جنيه.
يستهلك قطاع الكهرباء كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، حيث يبلغ الاستهلاك اليومي حوالي 6.4 مليار قدم مكعب، وقد يرتفع إلى أكثر من 7 مليارات قدم مكعب في فصل الصيف. وتنتج مصر حوالي 4.2 مليار قدم مكعب يومياً، مما يتطلب استيراد الفارق من الخارج.
يقول خبير الطاقة جمال القليوبي إن دعم الوقود يمثل عبئاً كبيراً على الاقتصاد المصري، وأن انخفاض أسعار النفط العالمية قد يساعد الحكومة على توفير بعض المخصصات المالية. وأضاف أن الحكومة تعهدت بعدم زيادة أسعار الوقود لمدة عام كامل، وهو ما قد يساعد على استقرار الأسعار في السوق المحلية.
في أكتوبر الماضي، أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أنه في حال استمرار أسعار النفط العالمية عند المستويات الحالية، فلن يكون هناك حاجة لزيادة أسعار الوقود لمدة عام على الأقل. وأشار إلى أن هذه الخطوة لا تتعارض مع المستهدفات التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي.
من المتوقع أن تواصل الحكومة المصرية جهودها لترشيد استهلاك الطاقة وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بالإضافة إلى البحث عن مصادر بديلة للطاقة. وستراقب عن كثب تطورات أسعار النفط العالمية وتأثيرها على الاقتصاد المصري، مع الأخذ في الاعتبار التحديات التي تواجه شركات الإنتاج العالمية في ظل انخفاض الأسعار. وستعتمد القرارات المستقبلية بشأن أسعار الوقود في مصر على تقييم شامل للوضع الاقتصادي العالمي والمحلي.




