أظهرت دراسات حديثة أن ممارسة بعض أنواع الألعاب قد يكون لها تأثير إيجابي على الوظائف الدماغية، متجاوزةً الفوائد التي تقدمها ألعاب أخرى. تشير الأبحاث إلى أن الألعاب الاستراتيجية وألعاب الحركة السريعة على وجه الخصوص، يمكن أن تعزز القدرة على حل المشكلات المعقدة والتكيف مع الظروف المتغيرة، مما يثير اهتمامًا متزايدًا بالدور الذي يمكن أن تلعبه الألعاب في الحفاظ على صحة الدماغ.
نُشرت هذه النتائج في تقارير صادرة عن مواقع تقنية مرموقة مثل “تيك سبوت”، وتستند إلى أبحاث أجراها خبراء في علم النفس وعلم الأعصاب. تؤكد هذه الدراسات أن الألعاب لا تمثل مجرد وسيلة للترفيه، بل يمكن أن تكون أداة لتحسين الأداء المعرفي.
تأثير الألعاب على الوظائف الدماغية
وفقًا لآرون سيتز، أستاذ علم النفس ومدير مركز ألعاب الدماغ للياقة العقلية والرفاهية في جامعة نورث إيسترن، فإن اللاعبين يمارسون مهارات معقدة في بيئات محاكاة، وهو ما يختلف عن ألعاب الدماغ التقليدية التي غالبًا ما تكون مصممة لتبسيط المهام. هذا التعقيد قد يكون هو المفتاح لتحقيق فوائد معرفية أكبر.
يتفق شون غرين من جامعة ويسكونسن-ماديسون وكارلوس كورونيل من كلية ترينيتي دبلن مع هذا الرأي. ويشير كورونيل إلى أن بنية وسرعة الألعاب الشائعة تلعب دورًا هامًا في تحديد تأثيرها على الدماغ، خاصةً في تعزيز الانتباه والوظائف التنفيذية.
أبحاث حديثة تؤكد الفوائد
أظهرت دراسة نشرتها مجلة “نيورو إيميج” في عام 2024 أن أدمغة اللاعبين الذين يمارسون لعبة “ستار كرافت 2” بانتظام تبدو “أكثر كفاءة في معالجة المعلومات”. وقد كشفت صور الدماغ عن ترابط أكبر في المناطق المسؤولة عن الانتباه البصري والوظائف التنفيذية لدى هؤلاء اللاعبين مقارنةً بأولئك الذين لم يلعبوا اللعبة من قبل.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت دراسة أخرى نشرتها مجلة “نيتشر” في عام 2025 أن عقول اللاعبين تبدو أصغر بأربع سنوات مقارنةً بعقول غير اللاعبين. هذه النتائج تشير إلى أن الألعاب قد تساعد في الحفاظ على صحة الدماغ مع التقدم في العمر.
التعقيد المعرفي كمحرك للتحسين
يؤكد كورونيل أن هذه الفوائد تنبع من مستوى التعقيد المعرفي الذي تتطلبه هذه الألعاب، على غرار ما هو موجود في المساعي الإبداعية الأخرى مثل الفن والموسيقى. الألعاب تحافظ على الروابط العصبية وتعمل على تحسين قدرة الدماغ على معالجة المعلومات.
وفي تجربة منفصلة، وجدت دراسة نشرتها مجلة “كومينيوكيشن بيولوجي” أن محبي ألعاب الأكشن يتمتعون بحدة بصرية ووعي مكاني أعلى، بالإضافة إلى مستوى انتباه أفضل من غيرهم.
المدة والتوازن هما المفتاح لتحقيق أقصى فائدة من الألعاب
يشدد كورونيل على أن ممارسة الألعاب لفترات طويلة دون توازن قد لا تكون مفيدة. وينصح بالموازنة بين الألعاب والأنشطة البدنية والاجتماعية الأخرى للحفاظ على صحة شاملة.
ويضيف سيتز أن جلسات اللعب التي تتراوح بين 30 و 60 دقيقة هي الأمثل لتحقيق الفوائد المعرفية، وهي المدة التي يعتمدها في دراساته. التنوع في أنواع الألعاب التي يتم لعبها يعتبر أيضًا أمرًا مهمًا لتحفيز مناطق مختلفة من الدماغ.
تشير الأبحاث إلى أن جلسات اللعب المتوازنة والمتنوعة هي الأفضل لتحسين القدرات الدماغية، ولكن لا يوجد نشاط واحد يمكن أن يضمن هذا التحسين بشكل كامل. النتائج غالبًا ما تكون مزيجًا من عوامل متعددة.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث في هذا المجال، مع التركيز على تحديد أنواع الألعاب الأكثر فعالية والمدة المثالية للعب. كما سيتم دراسة تأثير الألعاب على فئات عمرية مختلفة، بما في ذلك الأطفال وكبار السن. ستساعد هذه الدراسات في فهم أفضل لكيفية استخدام الألعاب كأداة لتحسين صحة الدماغ وتعزيز الأداء المعرفي، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر المحتملة للإفراط في اللعب.






