أصبح توثيق عمل الشرطة ممارسة متزايدة في الولايات المتحدة، مدفوعةً بتصاعد الاعتقالات والمداهمات التي تقوم بها وكالات إنفاذ القانون، خاصةً فيما يتعلق بقضايا الهجرة. هذا التحول يثير جدلاً حول الخصوصية، وحقوق المواطنين في المراقبة، ومخاطر التعرض للاستهداف، خاصةً بعد محاولات مسؤولين حكوميين تصوير هذا التوثيق على أنه “تتبع عن بعد” أو “عنف”.

شهدت الولايات المتحدة، منذ بداية فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية، زيادة ملحوظة في عمليات الاعتقال والمداهمات التي تنفذها وكالات مثل دائرة الهجرة والجمارك (ICE) وحماية الحدود والجمارك (CBP)، بالإضافة إلى سلطات اتحادية ومحلية أخرى مكلفة بتنفيذ إجراءات الهجرة. وقد أدى ذلك إلى رد فعل من السكان، حيث زاد توثيقهم لأنشطة إنفاذ القانون بشكل كبير.

تزايد أهمية توثيق عمل الشرطة في العصر الرقمي

لم يكن توثيق عمل الشرطة بالأمر الجديد، بل هو تقليد أمريكي قديم يهدف إلى تحقيق التوازن في ميزان القوى بين الشرطة والمواطنين. ومع ذلك، فإن التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأسها الهواتف الذكية، قد حولت هذا التقليد إلى ظاهرة واسعة الانتشار. فالآن، أصبح لدى الجميع القدرة على تسجيل مقاطع الفيديو ونشرها بسهولة.

جذور تاريخية للرقابة المدنية

يعود تاريخ توثيق عمل الشرطة إلى عقود مضت، حيث وثق الصحفيون خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 1968 أعمال شغب الشرطة واعتداءهم على المتظاهرين، وكذبهم بشأن المسؤولية. لكن هذه الممارسة قد تكون أقدم من ذلك بكثير، وربما تعود إلى “قرون” كما تشير جينيفر غرانيت، محامية في مشروع الخطاب والخصوصية والتكنولوجيا في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU).

شكلت واقعة رودني كينغ في عام 1991، حيث قام أحد المارة بتصوير اعتداء وحشي من قبل ضباط شرطة لوس أنجلوس، نقطة تحول في هذا المجال. أدى نشر الفيديو إلى إثارة جدل وطني حول قضايا العرق والشرطة في أمريكا الحديثة.

ظهرت مجموعات مراقبة دائرة الهجرة والجمارك في جميع أنحاء البلاد، وتسعى إلى توثيق أنشطة الوكالة ونشرها. كما ظهرت تطبيقات لتتبع أنشطة إنفاذ القانون، وإن اختفت بعضها من متاجر تطبيقات آبل وجوجل.

الجدل حول الخصوصية والأمن

أثارت هذه الزيادة في التوثيق قلق بعض المسؤولين الحكوميين، الذين يزعمون أن تحديد هوية عملاء إنفاذ القانون يعتبر “تتبعًا عن بعد” وأن الكشف عن هوياتهم يشكل “عنفًا”. لكن خبراء قانونيين، مثل كريستي نيم، يؤكدون أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة.

يرى البعض أن إخفاء هوية العملاء يمثل انتهاكًا للشفافية والمساءلة، بينما يجادل آخرون بأنه ضروري لحماية هؤلاء العملاء وعائلاتهم من التهديدات المحتملة. هذا الصراع يعكس التوتر المتزايد بين الحق في الخصوصية والحاجة إلى الرقابة العامة على عمل الشرطة.

توثيق عمل الشرطة أصبح أداة قوية للمواطنين لمراقبة السلطات ومحاسبتها. ومع ذلك، يجب أن يتم هذا التوثيق بطريقة مسؤولة تحترم حقوق الخصوصية لجميع الأطراف المعنية.

تتزايد المخاوف بشأن استخدام تقنيات المراقبة المتقدمة من قبل وكالات إنفاذ القانون، مثل التعرف على الوجه وتحليل البيانات. في المقابل، يزداد وعي المواطنين بحقوقهم في الخصوصية وقدرتهم على مراقبة السلطات. هذا التحول في ميزان القوى يثير تساؤلات مهمة حول مستقبل العلاقة بين الشرطة والمواطنين.

توثيق عمل الشرطة لا يقتصر على قضايا الهجرة، بل يمتد ليشمل جميع جوانب عمل الشرطة، بما في ذلك استخدام القوة، والتحرش، والتمييز.

تعتبر قوانين حرية المعلومات أداة مهمة للمواطنين للحصول على معلومات حول أنشطة الشرطة. ومع ذلك، غالبًا ما تواجه هذه القوانين قيودًا وتأخيرات، مما يجعل من الصعب على المواطنين الحصول على المعلومات التي يحتاجونها.

توثيق عمل الشرطة يساهم في تعزيز الشفافية والمساءلة، ويساعد على بناء الثقة بين الشرطة والمجتمع. ولكنه يتطلب أيضًا حماية حقوق الخصوصية لجميع الأطراف المعنية.

توثيق عمل الشرطة، بالإضافة إلى ذلك، يمثل تحديًا قانونيًا وتقنيًا. فمن ناحية، يجب أن يكون التوثيق قانونيًا ولا ينتهك أي حقوق. ومن ناحية أخرى، يجب أن يكون التوثيق آمنًا ومحميًا من التلاعب أو الحذف.

من المتوقع أن يستمر الجدل حول توثيق عمل الشرطة في التصاعد في المستقبل القريب، خاصةً مع استمرار التطورات التكنولوجية وزيادة الوعي بحقوق الخصوصية. من المرجح أن تشهد الولايات المتحدة المزيد من الدعاوى القضائية والتشريعات المتعلقة بهذا الموضوع.

ما يجب مراقبته في المستقبل القريب هو كيفية تعامل المحاكم والجهات التشريعية مع هذه القضايا، وكيف ستتطور التكنولوجيا لتلبية احتياجات كل من الشرطة والمواطنين. كما يجب مراقبة تأثير هذه التطورات على الثقة بين الشرطة والمجتمع.

شاركها.