تواجه محافظ الاستثمار تحدياً متزايداً في عام 2025، حيث تهيمن سبع شركات تكنولوجيا أمريكية ضخمة على أداء سوق الأسهم، مما يجعل تحقيق عوائد مماثلة خارج هذا الإطار الضيق أمراً صعباً للغاية. هذا التركيز الشديد يضغط على مديري الصناديق النشطة ويجبرهم على الاختيار بين تتبع المؤشر أو المخاطرة بالتخلف عن أدائه. ونتيجة لذلك، شهدنا نزوحاً كبيراً للأموال نحو صناديق المؤشرات المتداولة السلبية، بينما استمرت التدفقات الخارجة من الصناديق النشطة.
وقد استأثرت هذه الشركات التكنولوجية العملاقة، المعروفة بـ “العظماء السبعة”، بنصيب كبير من مكاسب السوق هذا العام، في امتداد لاتجاه بدأ قبل ما يقرب من عقد من الزمان. لم يكن الأمر مجرد استمرار هذه الأسهم في التفوق، بل اتساع الفجوة بينها وبين بقية الشركات في مؤشر “إس آند بي 500″، مما أثار تساؤلات حول مدى استدامة هذا الوضع.
نزوح الأموال وتأثيره على الاستثمار النشط
أظهرت البيانات أن المستثمرين سحبوا ما يقرب من تريليون دولار من صناديق الاستثمار المشتركة النشطة خلال العام الحالي، وفقاً لتقديرات “بلومبرغ إنتليجنس” استناداً إلى بيانات معهد شركات الاستثمار (ICI). يمثل هذا العام الحادي عشر على التوالي من صافي التدفقات الخارجة، ويعتبر الأكثر حدة في الدورة الحالية وفقاً لبعض المقاييس.
في المقابل، جذبت صناديق المؤشرات المتداولة السلبية أكثر من 600 مليار دولار. يعكس هذا التحول إحباط المستثمرين من عدم قدرة الصناديق النشطة على التفوق على المؤشر، خاصةً مع هيمنة عدد قليل من الأسهم على الأداء العام للسوق.
صرح ديف مازا، الرئيس التنفيذي لشركة “راوندهيل إنفستمنتس”، بأن التركيز الشديد يجعل من الصعب على المديرين النشطين تحقيق أداء جيد. وأضاف: “إذا لم تكن أوزانك متوافقة مع المؤشر المرجعي بالنسبة لأسهم العظماء السبعة، فأنت على الأرجح تتحمل مخاطر التخلف عن أداء السوق”.
صناديق التحوط وتعديل الاستراتيجيات
في محاولة للتكيف مع هذا الواقع الجديد، بدأت بعض صناديق التحوط في خفض حيازاتها في أسهم “العظماء السبعة” والتحول نحو أسهم الشركات الصينية. يمثل هذا تحولاً كبيراً في الاستراتيجية، حيث كانت الأسهم الأمريكية هي الخيار المفضل لمعظم صناديق التحوط لسنوات عديدة.
وعلى عكس توقعات بعض المحللين، لم يكن عام 2025 بيئة مواتية لازدهار انتقاء الأسهم. بل كانت تكلفة الانحراف عن المؤشر المرجعي مرتفعة بشكل ملحوظ، مما أدى إلى تفوق المؤشر على معظم الصناديق النشطة.
محدودية المشاركة في السوق
أظهرت البيانات أن حوالي 20% فقط من أسهم مؤشر “إس آند بي 500” ساهمت في مكاسب السوق خلال النصف الأول من العام. على الرغم من أن ضيق نطاق المشاركة ليس ظاهرة جديدة، إلا أن استمرار هذا الاتجاه يثير القلق. فعندما تُقاد المكاسب بواسطة عدد محدود للغاية من الأسهم، يصبح من الصعب تحقيق عوائد مستدامة.
وتفوق مؤشر “إس آند بي 500” على نسخته متساوية الأوزان، مما يؤكد هذا الاتجاه. النسخة متساوية الأوزان تمنح الشركات الصغيرة نفس وزن الشركات الكبيرة، وبالتالي تعكس أداء السوق بشكل أوسع.
في الولايات المتحدة، تفوق أداء 73% من صناديق الأسهم المشتركة على مؤشراتها المرجعية هذا العام، وهو رابع أعلى مستوى مسجل منذ عام 2007، وفقاً لأثناسيوس بساروفاغيس من “بلومبرغ إنتليجنس”.
استراتيجيات بديلة لتحقيق عوائد
على الرغم من التحديات، تمكنت بعض الصناديق من تحقيق عوائد جيدة من خلال تبني استراتيجيات مختلفة. على سبيل المثال، حقق صندوق “ديمينشنال فاند أدفايزرز” الدولي للقيمة الشركات الصغيرة عائداً تجاوز 50% هذا العام، متفوقاً على مؤشري “إس آند بي 500″ و”ناسداك 100”. يعتمد هذا الصندوق على محفظة متنوعة تضم حوالي 1800 سهم، معظمها خارج الولايات المتحدة.
وأكد جويل شنايدر، نائب رئيس إدارة المحافظ الاستثمارية في أميركا الشمالية لدى الشركة، على أهمية التنويع العالمي، مشيراً إلى أن اختيار الأسهم الرابحة في الماضي ليس ضماناً لتحقيق أداء متفوق في المستقبل.
كما حققت مارغي باتيل من صندوق “أولسبرينغ دايفرسيفايد كابيتال بيلدر فاند” عائداً يقارب 20% هذا العام من خلال الاستثمار في شركتي تصنيع الرقائق “ميكرون تكنولوجي” و”أدفانسد مايكرو ديفايسز”.
نظرة مستقبلية
بحلول نهاية عام 2025، أصبح واضحاً أن التحدي الأكبر للمستثمرين لم يكن في فقدان الإدارة النشطة لفاعليتها، بل في فهم أن هيمنة عدد قليل من الشركات على السوق قد تكون مستمرة. يشير المحللون إلى أن التركيز على قطاع التكنولوجيا قد يستمر في المستقبل القريب، خاصةً مع التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، من المهم مراقبة التغيرات في السياسات الاقتصادية، ومعدلات الفائدة، والتوترات الجيوسياسية، حيث يمكن أن تؤثر هذه العوامل على أداء السوق بشكل عام.
يرى عثمان علي من “غولدمان ساكس أسيت مانجمنت” أن الفرص الاستثمارية لا تقتصر على شركات التكنولوجيا الكبرى، وأن الأسواق ستستمر في تقديم فرص للمستثمرين الذين يعتمدون على التحليل المحايد والبيانات. من المتوقع أن يستمر المستثمرون في البحث عن استراتيجيات متنوعة لتحقيق عوائد مستدامة في بيئة سوق متغيرة.






