أقرت الحكومة اللبنانية، بعد جدل مطول، مشروع قانون “الانتظام المالي واستعادة الودائع” بهدف معالجة الأزمة المصرفية المستمرة التي تعصف بالبلاد. يهدف هذا القانون إلى استعادة أموال المودعين المتضررة، خاصةً صغار المودعين، وإعادة الثقة بالنظام المالي. وقد وافق 13 وزيرًا على مشروع القانون بينما عارضه 9 آخرون، مما يعكس الانقسام الحاصل في الرؤى حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة المعقدة.
جاء إقرار القانون خلال جلسة لمجلس الوزراء، حيث أكد رئيس مجلس الوزراء نواف سلام على أهمية الخطوة وأعرب عن أمله في إقراره سريعًا من قبل مجلس النواب. يمثل هذا الإجراء محاولة جادة من الحكومة لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت منذ عام 2019.
ما هو قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع في لبنان؟
يعتبر قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع، أو ما يُعرف بقانون “الفجوة المالية”، خطوة أساسية في سلسلة الإصلاحات التي يسعى لبنان لتنفيذها. تتعلق الأزمة المالية بفجوة تقدر بنحو 80 مليار دولار، وهي ناتجة عن اقتراض الحكومة من مصرف لبنان، الذي بدوره استدان من البنوك التجارية. أدى ذلك إلى عدم قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين.
ينص القانون على استعادة كاملة لودائع صغار المودعين الذين تقل ودائعهم عن 100 ألف دولار أمريكي، على أن يتم السداد خلال فترة أقصاها أربع سنوات. وتشير الحكومة إلى أن هذه الفئة تمثل حوالي 85% من إجمالي المودعين في لبنان.
آلية السداد للمودعين المتوسطين والكبار
بالنسبة للمودعين المتوسطين والكبار، يضمن القانون استلامهم مبلغ 100 ألف دولار أمريكي على غرار صغار المودعين. بالإضافة إلى ذلك، سيحصلون على سندات قابلة للتداول بقيمة المبلغ المتبقي من ودائعهم، دون أي اقتطاع من رأس المال الأصلي. هذه السندات مدعومة بأصول وموجودات مصرف لبنان، مما يمنحها قيمة حقيقية وجدول سداد محدد.
أوضح رئيس الحكومة أن هذه السندات ليست مجرد وعود، بل مدعومة بما يقارب 50 مليار دولار من أصول مصرف لبنان. يهدف هذا الإجراء إلى توزيع الخسائر بشكل عادل وتقليل الأثر السلبي على المودعين.
إعادة الثقة بالنظام المالي
تسعى الحكومة من خلال هذا القانون إلى إعادة بناء الثقة في النظام المالي والمصرفي اللبناني. يتضمن ذلك تقييم أصول البنوك وإعادة رسملتها، بهدف تمكينها من استئناف دورها في تمويل الاقتصاد وتحفيز النمو. كما يهدف إلى الحد من انتشار الاقتصاد النقدي والموازي الذي ازدهر في ظل الأزمة.
يأتي هذا القانون في أعقاب إقرار قوانين أخرى مهمة، مثل رفع السرية المصرفية وإصلاح القطاع المصرفي، وهي خطوات ضرورية لتحقيق الاستقرار المالي. وتأمل الحكومة في أن يساهم هذا القانون في تفعيل اتفاق مع صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، والذي تم تعليقه منذ أبريل 2022.
بالإضافة إلى قانون الانتظام المالي، تعمل الحكومة على معالجة قضايا أخرى مثل الديون السيادية و التحقيق في الأموال غير المشروعة. هذه الجهود المتكاملة تهدف إلى تحقيق إصلاح اقتصادي شامل ومستدام.
من المتوقع أن يحيل مجلس الوزراء مشروع القانون إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره. تعتبر هذه المرحلة حاسمة، حيث قد تشهد تعديلات أو تأخيرات. يجب مراقبة ردود فعل الكتل النيابية المختلفة وموقفها من القانون، بالإضافة إلى أي تطورات في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. يبقى مستقبل النظام المالي اللبناني معلقًا على إقرار هذا القانون وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.






