خفض البنك المركزي المصري، اليوم الخميس، أسعار الفائدة للمرة الخامسة منذ بداية عام 2024، وذلك في ختام آخر اجتماعات لجنة السياسات النقدية لهذا العام. جاء هذا القرار متوافقاً مع توقعات معظم المحللين الاقتصاديين، ويعكس التغيرات الأخيرة في معدلات التضخم وأداء الجنيه المصري، بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية العالمية.

أعلنت اللجنة عن تخفيض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، مما يضع عائد الإيداع والإقراض عند 20% و21% على التوالي. يمثل هذا التحرك استمراراً في سياسة التيسير النقدي التي بدأها البنك المركزي في أبريل الماضي، بعد فترة طويلة من التشديد لمواجهة التضخم.

تباطؤ التضخم يمهد لخفض أسعار الفائدة في مصر

يعزى قرار البنك المركزي بشكل رئيسي إلى تباطؤ معدل التضخم في مصر خلال شهر نوفمبر. فقد ارتفع التضخم السنوي بشكل طفيف إلى 12.3% مقارنة بـ 12.5% في أكتوبر، بينما انخفض التضخم الشهري إلى 0.3% مقابل 1.8% في الشهر السابق، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. يشير هذا التباطؤ إلى أن جهود البنك المركزي في كبح جماح التضخم بدأت تؤتي ثمارها.

بالإضافة إلى ذلك، ساهم تحسن أداء الجنيه المصري في دعم قرار الخفض. فقد شهد الجنيه ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأشهر الستة الماضية، واستقر دون مستوى 48 جنيهاً للدولار في نهاية تعاملات اليوم، مدفوعاً بتدفقات قوية من النقد الأجنبي، خاصةً من القطاع السياحي.

القطاع السياحي يلعب دوراً حيوياً

أظهرت البيانات أن إيرادات السياحة في مصر نمت بنسبة 56% خلال العام الجاري، لتصل إلى حوالي 24 مليار دولار، مقارنة بـ 15.3 مليار دولار في العام الماضي، وفقاً لتصريحات وزير السياحة المصري شريف فتحي. هذا النمو القوي في الإيرادات السياحية ساهم بشكل كبير في زيادة المعروض من العملة الأجنبية، مما دعم استقرار الجنيه.

ومع ذلك، يراقب البنك المركزي عن كثب التطورات الاقتصادية العالمية، وخاصةً قرارات البنوك المركزية الكبرى مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. فقد ساهم خفض الفيدرالي لسعر الفائدة مؤخراً في تخفيف الضغوط على مصر، حيث يميل المستثمرون إلى البحث عن عوائد أعلى في الأسواق الناشئة مثل مصر.

العوامل الخارجية وتوقعات النمو الاقتصادي

يرى خبراء اقتصاديون أن قرار خفض أسعار الفائدة يأتي أيضاً في سياق التوجه العالمي نحو سياسات نقدية أكثر مرونة. فقد بدأت العديد من البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم في خفض أسعار الفائدة في محاولة لتحفيز النمو الاقتصادي.

في هذا الصدد، توقع البنك المركزي المصري تراجع معدل النمو الاقتصادي إلى 5% في الربع الأخير من عام 2024، مقارنة بـ 5.3% في الربع السابق. يعكس هذا التوقع بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، مثل ارتفاع الدين العام وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر.

هاني جنينة، رئيس قطاع البحوث في “الأهلي فاروس”، أكد أن خفض الفائدة اليوم كان مدعوماً بتباطؤ التضخم في نوفمبر. أما عمرو الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم في “ثاندر”، فقد أشار إلى أن خفض الفيدرالي للفائدة كان أيضاً عاملاً مهماً في دعم قرار البنك المركزي المصري.

يستهدف البنك المركزي المصري تحقيق متوسط معدل تضخم يتراوح بين 5% و9% في الربع الرابع من عام 2026، وبين 3% و7% في الربع الرابع من عام 2028.

في الوقت نفسه، حذر صندوق النقد الدولي من ضرورة استمرار البنك المركزي المصري في الإدارة الحذرة لسياسة التيسير النقدي، مشيراً إلى أن ضغوط انكماش الأسعار لم تترسخ بعد بشكل كامل.

من المتوقع أن تستمر لجنة السياسات النقدية في تقييم الأوضاع الاقتصادية عن كثب خلال الأشهر المقبلة، وأن تتخذ قرارات إضافية بشأن أسعار الفائدة بناءً على التطورات في معدلات التضخم والنمو الاقتصادي، بالإضافة إلى التغيرات في البيئة الاقتصادية العالمية. سيراقب السوق عن كثب بيانات التضخم القادمة، وتصريحات البنك المركزي، وأي تطورات جديدة في برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي.

شاركها.