شهد عام 2025 تحولاً ملحوظاً في دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، بعيداً عن فكرة الانسحاب التي طالما نوقشت في واشنطن. فبدلاً من ذلك، عززت واشنطن نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة، وشكلت مسار الأحداث بشكل كبير، خاصةً فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والأوضاع في سوريا وإيران. هذا التحول يعكس قناعة متزايدة بأن القوة هي العملة الرائجة في المنطقة، وأن القيادة الأمريكية ضرورية لتحقيق الاستقرار.
ويرى المحللون أن هذا العام أكد على درس استراتيجي قديم: أن القوة هي المفتاح في الشرق الأوسط، ولا يمكن الاستغناء عن القيادة الأمريكية. وقد تجلى ذلك في الوساطة الأمريكية التي أدت إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، بالإضافة إلى زيادة التعاون مع دول عربية رئيسية مثل السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة.
الشرق الأوسط في 2025: تحول في دور الولايات المتحدة
على الرغم من التقارير التي تشير إلى رغبة الولايات المتحدة في تقليل بصمتها في الشرق الأوسط، إلا أن عام 2025 شهد عكس ذلك. فقد تدخلت إدارة الرئيس دونالد ترامب بشكل حاسم لإنهاء الحرب التي استمرت عامين في غزة، وإعادة جميع الرهائن الإسرائيليين، باستثناء جثة ران جفيلي التي لا تزال في أيدي حركة حماس.
وقام الرئيس ترامب بزيارة كل من إسرائيل، حيث ألقى خطاباً أمام الكنيست، والقاهرة لإتمام الاتفاق، بالتنسيق مع القادة العرب والوسطاء في عملية معقدة تضمنت تبادل الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية مقابل الرهائن. وقد أشاد المحللون بدور الإدارة الأمريكية في تحقيق هذا الإنجاز، مشيرين إلى أنها وسعت نطاق ما كان يعتبر ممكناً.
وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق الرهائن
كان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بمثابة نقطة تحول رئيسية في عام 2025. فبعد سنوات من الصراع، تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق هذا الإنجاز من خلال الجمع بين الضغط العسكري الإسرائيلي والإصرار الأمريكي والتنسيق الإقليمي. ووفقاً للمحللين، فإن الضغط العسكري الذي مارسته إسرائيل، بدعم من البيت الأبيض، بالإضافة إلى التنسيق مع قطر وتركيا، هو ما أحدث الاختراق.
ومع ذلك، يرى البعض أن هذا الإنجاز لم يكن نتيجة للدبلوماسية وحدها، بل كان نتيجة للاستعداد الإسرائيلي والأمريكي لاستخدام القوة. وقد تجلى ذلك في عمليات “الأسد الصاعد” و”المطرقة السوداء”، بالإضافة إلى الضربة الأمريكية التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني.
تداعيات إقليمية
لم تقتصر التطورات في عام 2025 على غزة، بل امتدت لتشمل مناطق أخرى في الشرق الأوسط. ففي 8 ديسمبر، شهدت سوريا انهيار نظام الأسد، مما أدى إلى تحول كبير في ميزان القوى الإقليمي. وقد ساهمت عمليات “الأسد الصاعد” في إبراز تفوق إسرائيل الجوي، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية البنية التحتية العسكرية الإيرانية، وقضت على قادة بارزين في الحرس الثوري الإيراني.
كما سلطت هذه العمليات الضوء على عمق التنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبلغت ذروتها بضربة أمريكية استهدفت البرنامج النووي الإيراني، وقللت من قدرة طهران على دعم وكلائها. ويواجه النظام الإيراني الآن فترة من عدم اليقين العميق، حيث يحاول إعادة بناء نفوذه بعد أن تحطم نظامه الوكيلة في المنطقة.
ويطرح المحللون تساؤلات حول مستقبل إيران، وما إذا كانت ستتمكن من استعادة تحالفاتها وهيبتها ومصادر قوتها، مثل البرنامج النووي والدفاعات الجوية. كما يتساءلون عن مصير النظام الإيراني نفسه، وما إذا كان سينجو دون إصلاحات كبيرة، أو سيشهد انقلاباً أو ثورة مضادة.
مستقبل الشرق الأوسط: ما الذي يمكن توقعه في عام 2026؟
على الرغم من التطورات الإيجابية التي شهدها عام 2025، إلا أن الوضع في الشرق الأوسط لا يزال هشاً وغير مستقر. ويحذر المحللون من أن المنطقة قد تشهد ضغوطاً متجددة من جهات متعددة في عام 2026، حيث سيسعى الخصوم إلى إعادة تأكيد أنفسهم وإيجاد مزايا جديدة.
ومن المتوقع أن تحاول إيران اختبار حدود صبر الولايات المتحدة وإسرائيل، في حين قد تسعى الجماعات المتطرفة مثل داعش أو غيرها من الجماعات السنية إلى تنفيذ هجوم كبير لإعلان عودتها. وسيتطلب الحفاظ على الاستقرار في المنطقة جهداً مستمراً من الولايات المتحدة، واستعداداً لمواجهة هذه التحديات.
وفيما يتعلق بحركة حماس، يرى المحللون أن العام 2025 شهد اعترافاً بأن الحركة لن تختفي تماماً، بل ستظل موجودة ككيان مسلح. ومع ذلك، فقد تكبدت حماس خسائر فادحة، وتم القضاء عليها كقوة عسكرية فعالة. والسؤال الآن هو إلى أي مدى يمكن تقليل قدراتها العسكرية.
بشكل عام، يشير الوضع الحالي إلى أن الشرق الأوسط سيظل منطقة تشهد تحولات مستمرة، وأن دور الولايات المتحدة سيظل حاسماً في تحديد مسار هذه التحولات. ومن المتوقع أن يشهد عام 2026 مزيداً من التحديات والفرص، وسيتطلب الأمر حكمة ورؤية لمواجهة هذه التحديات واستغلال هذه الفرص.






