لطالما كان هناك شك في أن الالتهاب الجهازي الحاد يلعب دورًا في تطور الأمراض العصبية التنكسية مثل مرض الزهايمر ومرض باركنسون. دراسة جديدة، نشرت في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، تقدم أدلة قوية على أن هذا الالتهاب يؤدي إلى خلل أيضي محدد في مناطق معينة من الدماغ، مما يحدد المسارات الكيميائية الحيوية المتأثرة في المراحل المبكرة من الالتهاب الدماغي.
قاد الدراسة البروفيسور كي زايتسو من كلية العلوم والتكنولوجيا البيولوجية بجامعة كينداي في اليابان. استخدم الباحثون نموذجًا حيوانيًا – فئران تعرضت لجرعة عالية من الليبوبوليسكاريد (LPS) – لتحفيز استجابة التهابية حادة، ثم قاموا بتحليل التغيرات الأيضية في أربع مناطق دماغية رئيسية: القشرة الدماغية، والحصين، والمخيخ، والمهاد.
أنسجة المخ والالتهاب الدماغي
أظهرت النتائج ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات إنترلوكين-1 بيتا (IL-1β) في مصل الدم بعد حقن الليبوبوليسكاريد، مما يؤكد وجود استجابة التهابية قوية في الجسم. طبق فريق البحث تقنية تحليل الأيض الدماغي القائمة على “PiTMaP” (Platform for Integrative Tissue Metabolome Analysis) لدراسة التغيرات الأيضية في مناطق الدماغ المختلفة.
سمحت هذه التقنية بتحليل أكثر من 70 مستقلبًا (نواتج الأيض) في كل منطقة دماغية. كشفت التحليلات أن القشرة الدماغية هي المنطقة الوحيدة التي أظهرت اضطرابًا أيضيًا كبيرًا، بينما بقيت المناطق الأخرى دون تغيير ملحوظ.
من بين المستقلبات المتغيرة في القشرة الدماغية، انخفض حمض إن-أسيتيل أسبارتيك (NAA) بشكل ملحوظ. يُعتبر انخفاض NAA مؤشرًا معروفًا على تلف الخلايا العصبية، ويرتبط بضعف الطاقة العصبية. أظهرت الدراسة وجود ارتباط سلبي قوي بين مستويات NAA ومستويات IL-1β في مصل الدم، مما يشير إلى أن الالتهاب الجهازي قد يساهم بشكل مباشر في الإجهاد العصبي.
بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون انخفاضًا في حمض الأسبارتيك وحمض الماليك، وهما مكونان أساسيان في مكوك الماليت-أسبارتات (MAS). يلعب مكوك MAS دورًا حيويًا في نقل NADH (نيكوتيناميد أدينين ثنائي النوكليوتيد) من السيتوبلازم إلى الميتوكوندريا، وهي العضيات المسؤولة عن إنتاج الطاقة في الخلايا.
تشير النتائج إلى أن اضطراب مكوك MAS قد يؤدي إلى خلل وظيفي في الميتوكوندريا نتيجة للالتهاب. كما أظهر التحليل تراكمًا لليوريا، مما يشير إلى تنشيط أو اضطراب دورة اليوريا داخل الخلايا النجمية في الدماغ. دورة اليوريا مهمة للتخلص من الأمونيا، وهي مادة سامة للخلايا العصبية.
الآثار المترتبة على الأمراض العصبية التنكسية
تعتبر دورة اليوريا مساهمًا متزايد الأهمية في الأمراض العصبية التنكسية، حيث تم الإبلاغ عن تراكم اليوريا في حالات مثل مرض الزهايمر ومرض هنتنغتون. حدد الباحثون NAA واليوريا كـ”مستقلبات محورية”، مما يؤكد أهميتهما في الاضطراب الأيضي الناجم عن الالتهاب.
يدعم هذا النمط الأيضي – انخفاض NAA، واضطراب MAS، وارتفاع اليوريا – فرضية أن الالتهاب الجهازي الحاد يمكن أن يضعف استقلاب الخلايا العصبية حتى قبل ظهور أي تلف هيكلي. قد توفر هذه التغيرات الكيميائية الحيوية المبكرة نافذة مهمة لتحديد الأفراد الأكثر عرضة للإصابة بأمراض عصبية مرتبطة بالالتهاب المزمن. تعتبر هذه النتائج ذات أهمية خاصة في سياق البحث عن علاجات جديدة للأمراض العصبية.
خلص البروفيسور زايتسو إلى أن “هذه النتائج تشير إلى أن استقلاب حمض الأسبارتيك، و MAS، وتراكم اليوريا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالالتهاب الناجم عن LPS”.
في المستقبل، من الضروري التحقق من صحة هذه النتائج في دراسات بشرية. إذا تم تأكيدها، فقد تساعد مستويات NAA واليوريا في تحديد الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بأمراض عصبية تنكسية، مما يتيح التدخل المبكر. تعتبر هذه الدراسة خطوة مهمة نحو فهم العلاقة المعقدة بين الالتهاب والدماغ، وقد تفتح آفاقًا جديدة لتطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية.
من المتوقع أن يتم إجراء المزيد من الدراسات لتحديد الآليات الدقيقة التي تربط الالتهاب الجهازي بالتغيرات الأيضية في الدماغ. سيساعد ذلك في تطوير علاجات أكثر استهدافًا وفعالية للأمراض العصبية المرتبطة بالالتهاب. من المهم أيضًا مراقبة التقدم في تطوير المؤشرات الحيوية الجديدة التي يمكن استخدامها للكشف المبكر عن هذه الأمراض.






