أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً واسعاً بإعلانه تعيين حاكم ولاية لويزيانا، جيف لاندري، مبعوثاً خاصاً للولايات المتحدة إلى جرينلاند، بهدف “دمج جرينلاند في الولايات المتحدة”. يأتي هذا الإعلان بعد عام واحد من محاولة سابقة لترامب لشراء الجزيرة، مما أثار ردود فعل دولية قوية وتوترات مع الدنمارك والاتحاد الأوروبي.

أكد ترامب أن هذا الإجراء يهدف إلى تعزيز الأمن القومي الأمريكي، مشيراً إلى تزايد النشاط العسكري الروسي والصيني في المنطقة. وقد أثارت هذه التصريحات مخاوف بشأن التوسع الأمريكي في القطب الشمالي وتأثير ذلك على الاستقرار الإقليمي.

تصعيد التوترات حول مستقبل جرينلاند

أعلنت الإدارة الأمريكية عن تعيين جيف لاندري، حاكم لويزيانا، كمبعوث خاص للولايات المتحدة إلى جرينلاند في 23 ديسمبر 2025. وفقاً لبيان صادر عن البيت الأبيض، فإن مهمة لاندري تتمثل في استكشاف إمكانية دمج جرينلاند في الولايات المتحدة، مع التركيز على أهمية الجزيرة للأمن القومي الأمريكي.

ردود الفعل الدولية

أثار إعلان ترامب ردود فعل قوية من قبل قادة الاتحاد الأوروبي، الذين أعربوا عن دعمهم الكامل لسيادة الدنمارك على جرينلاند. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته جان نويل بارو أكدا على أن جرينلاند تنتمي إلى شعبها وأن الدنمارك هي الضامن لسلامتها.

كما أعرب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز عن دعمه لمبدأ سيادة الدول وسلامة أراضيها، مؤكداً على أهمية التعاون مع الحلفاء والشركاء في الحفاظ على الأمن في منطقة القطب الشمالي. وكتب سانشيز على منصة X (تويتر سابقاً) أن احترام السيادة وسلامة الأراضي أمر أساسي للاتحاد الأوروبي وجميع دول العالم.

في المقابل، حافظ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته على صمت ملحوظ بشأن القضية. وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع ترامب في المكتب البيضاوي في مارس، امتنع روته عن التعليق عندما سأله صحفي عن مستقبل جرينلاند، معرباً عن رغبته في عدم جر الناتو إلى هذا الخلاف.

الأسباب المعلنة والمخاوف الخفية

أوضح ترامب أن دافعه وراء السعي لضم جرينلاند ليس يتعلق بالموارد الطبيعية أو النفط، بل بالأمن القومي. وأشار إلى وجود سفن روسية وصينية في المنطقة، معتبراً أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الأمريكي.

إلا أن بعض المحللين يرون أن هناك أبعاداً أخرى لهذه القضية، بما في ذلك الرغبة في تعزيز النفوذ الأمريكي في القطب الشمالي والاستفادة من الموارد الطبيعية المحتملة في المنطقة. كما انتقد ترامب الدنمارك، زاعماً أنها أهملت الجزيرة ولم توفر لها الحماية العسكرية الكافية.

الأمن في القطب الشمالي والتحالفات الدولية

تعتبر منطقة القطب الشمالي ذات أهمية استراتيجية متزايدة بسبب التغيرات المناخية وذوبان الجليد، مما يفتح طرقاً ملاحية جديدة ويزيد من إمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية. تتنافس عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين، على النفوذ في هذه المنطقة.

تعتبر قضية جرينلاند اختباراً للعلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، وخاصة الدنمارك. لم يسبق أن واجه الحلف موقفاً مماثلاً، حيث تسعى دولة عضو إلى ضم أراضي من دولة عضو أخرى.

تثير هذه القضية أيضاً تساؤلات حول التزام الولايات المتحدة بالقانون الدولي ومبدأ سيادة الدول. أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على أن سلامة الأراضي والسيادة هما مبادئ أساسية في القانون الدولي، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة لا تزال حليفاً مهماً في مجال الأمن القطبي.

من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيداً من التطورات في هذا الملف، بما في ذلك رد فعل الدنمارك الرسمي على تعيين المبعوث الخاص الأمريكي. من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستسعى إلى التفاوض مع الدنمارك بشأن مستقبل جرينلاند، أو ما إذا كانت ستتبع مساراً آخر.

يبقى من الضروري مراقبة ردود الفعل الدولية وتطورات الوضع في القطب الشمالي، حيث يمكن أن يكون لهذه القضية تداعيات كبيرة على الاستقرار الإقليمي والعلاقات الدولية. كما يجب متابعة موقف حلف الناتو، وما إذا كان سيصدر بياناً رسمياً بشأن هذه القضية.

شاركها.