شهدت قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة في بروكسل، والتي اختتمت أعمالها الخميس الماضي، مفاوضات مكثفة حول مستقبل المساعدات المالية لأوكرانيا. وعلى الرغم من اقتراح جريء يتعلق باستخدام الأصول الروسية المجمدة لتحقيق ذلك، إلا أن القادة الأوروبيين توصلوا في النهاية إلى حل بديل لتمويل أوكرانيا، وهو ما يمثل تحولاً كبيراً في الاستراتيجية.
بدأت القمة الحقيقية في الليلة التي سبقت الاجتماع الرسمي، حيث انصب التركيز على إيجاد طريقة لضمان استمرار الدعم المالي لكييف في ظل استمرار الحرب وتراجع المساعدات الأمريكية. تضمنت المناقشات اقتراحًا مثيرًا للجدل حول إصدار قرض لتمويل أوكرانيا باستخدام الأصول الروسية المجمدة، لكن هذا الاقتراح واجه مقاومة كبيرة.
خطة القرض الروسي: عقبات وتحديات
كانت ألمانيا والدنمارك والمفوضية الأوروبية تفضل خيار القرض الممول من الأصول الروسية المجمدة، والتي تحتفظ بها بشكل أساسي بلجيكا. ومع ذلك، شكلت بلجيكا، بقيادة رئيس وزرائها بارت دي فيفر، العائق الرئيسي أمام هذا الاقتراح. أعرب دي فيفر عن قلقه من أن هذا الإجراء قد يعرض القطاع المالي البلجيكي، وربما منطقة اليورو بأكملها، للخطر.
تصاعدت المخاوف بعد أن أصدرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تحذيراً سلبياً بشأن يوروكلير، وهي المؤسسة التي تحتفظ بالأصول الروسية المجمدة في بلجيكا، مشيرة إلى مخاطر السيولة والقانونية. وفقًا لدبلوماسيين، أصبحت يوروكلير محورًا للمناقشات، حيث أن القوى السوقية، بمجرد إطلاقها، يمكن أن تخرج عن السيطرة.
على الرغم من تأكيدات مؤيدي القرض بأنه لن يكون هناك مصادرة للأصول الروسية وأن المخاطر على بلجيكا ستكون مغطاة بشكل كافٍ، إلا أن الأسواق لم تكن مقتنعة. كما أعربت فرنسا عن تحفظاتها، مشيرة إلى المخاطر النظامية المحتملة.
تدخل أوربان وتعقيد المشهد
أضاف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان تعقيدًا إضافيًا للمشهد، حيث سخر من دي فيفر وادعى أن اقتراح القرض قد تم إزالته من جدول أعمال القمة. لكن هذه الادعاءات نُفت من قبل مسؤولين آخرين، حيث أشار رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو إلى أن أوربان ربما كان مرتبكًا بشأن جدول الأعمال.
ومع ذلك، كان أوربان على حق في أن الأمور تتغير. إيطاليا انضمت إلى بلجيكا في المطالبة باستكشاف خيارات بديلة، مما زاد من الضغط على مؤيدي القرض.
تفعيل الخطة البديلة لتمويل أوكرانيا
بدأت القمة ببيان دراماتيكي من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، حيث أعلنت أن القادة الأوروبيين لن يغادروا المبنى حتى يتم التوصل إلى حل لتمويل أوكرانيا. أثار هذا البيان تكهنات بأن القمة قد تستمر حتى نهاية الأسبوع، على غرار قمة عام 2020 التي استمرت أربعة أيام للتوصل إلى اتفاق بشأن خطة التعافي من جائحة كوفيد-19.
خلال القمة، ألقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كلمة أمام القادة الأوروبيين، مؤكدًا على أن روسيا، باعتبارها الطرف المعتدي، يجب أن تدفع ثمن الأضرار التي لحقت ببلاده. واعتبر زيلينسكي القرض الممول من الأصول الروسية “نهجًا ذكيًا وعادلاً”.
بعد كلمة زيلينسكي، بدأ القادة الأوروبيون مناقشة مصير القرض المقترح. دافع كل من فون دير لاين وفريدريش ميرز وميتي فريدريكسن عن الاقتراح، مشيرين إلى أنه سيضمن تمويلًا كافيًا لأوكرانيا وأن روسيا ستدفع ثمن الأضرار وفقًا لمبدأ “من كسر، يصلح”.
إلا أن التدخل المطول من رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، والذي وصفه المراقبون بأنه مفصل ومدروس، أثار شكوكًا حول الخطة. كما أعرب أوربان عن معارضته، بينما أثار طلب بلجيكا بتقديم ضمانات غير محدودة تساؤلات حول قدرة الدول الأخرى على الحصول على موافقة برلماناتها الوطنية.
عند هذه النقطة، أدرك رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أن القرض الممول من الأصول الروسية قد وصل إلى طريق مسدود، وحان الوقت لتفعيل الخطة البديلة – وهي أيضًا بشروطها الخاصة.
اتفاق بشأن الديون المشتركة وتجاوز الفيتو
اقترح كوستا أن تقدم المفوضية الأوروبية بديلاً لتغطية الـ 90 مليار يورو التي تحتاجها أوكرانيا للعامين المقبلين من خلال الاقتراض المشترك المدعوم من ميزانية الاتحاد الأوروبي. يتطلب هذا الخيار تصويتًا بالإجماع، لكن كوستا اقترح أنه إذا لم يعترض أوربان، فإن الخطة البديلة ستكون على الطاولة.
أدى تدخل كوستا إلى تغيير مسار القمة. عقد أوربان اجتماعات خاصة مع نظيريه التشيكي أندريه بابيش والسلوفاكي روبرت فيكو في الغرفة المجرية بمبنى المجلس الأوروبي. شكل هذا الاجتماع إحياءً لتنسيق فيسيغراد، الذي كان متوقفًا منذ بداية الحرب في أوكرانيا بسبب الخلافات بين أعضائه حول كيفية التعامل مع روسيا.
اتفق الأطراف الثلاثة على آلية تسمح بإصدار ديون مشتركة من قبل 24 دولة عضو، بينما يتم إعفاءهم من الالتزام المالي. تم تأكيد هذا الاتفاق في استنتاجات القمة.
في النهاية، تم التوصل إلى اتفاق لتمويل أوكرانيا من خلال الاقتراض المشترك، متجاوزين بذلك حق النقض الفردي. وهذا يمثل تطوراً هاماً يظهر قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات حاسمة حتى في ظل وجود خلافات عميقة.
الخطوة التالية هي الموافقة الرسمية على الخطة من قبل البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء. من المتوقع أن تتم هذه الموافقة في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. ومع ذلك، لا يزال هناك بعض عدم اليقين بشأن كيفية تنفيذ الخطة وكيفية التعامل مع الأصول الروسية المجمدة في المستقبل. سيكون من المهم مراقبة التطورات في هذا الصدد عن كثب.






