تشهد المدن الكبرى، وعلى رأسها نيويورك، ظاهرة اجتماعية جديدة وهي انجذاب النساء العاملات ذوات الدخل المرتفع نحو الارتباط العاطفي برجال من ذوي المهن اليدوية، أو ما يُعرف بـ “صديق هال مارك” (Hallmark hunk). هذا التوجه يثير تساؤلات حول دوافع هذا التحول في خيارات الشريك، وهل هو مجرد نزوة عابرة أم انعكاس لتغيرات أعمق في القيم والأولويات.
النساء اللاتي يعملن في وظائف تتطلب جهداً ذهنياً عالياً، مثل القطاعات المالية والتسويقية، يجدن في هذا النوع من الرجال ملاذاً من ضغوط الحياة المهنية، ورغبة في مشاركة حياة أكثر بساطة وعفوية. وقد انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر نساء يشاركن تفاصيل حياتهن مع هؤلاء الشركاء، مما زاد من انتشار هذه الظاهرة.
جاذبية “صديق هال مارك”: ما الذي يدفع النساء نحو هذا الاختيار؟
وفقًا للدكتورة جينيفر غونسالوس، عالمة الاجتماع ومؤسسة مركز الشجاعة في العلاقة الحميمة، فإن هذا التوجه لا يعني بالضرورة عودة إلى الأدوار الجندرية التقليدية. بل هو تعبير عن الحاجة إلى تخفيف الأعباء والشعور بالراحة والأمان. تقول غونسالوس: «لا أعتقد أن هؤلاء النساء يرغبن في العودة إلى الأدوار الجندرية التقليدية، بل يرغبن فقط في تخفيف الضغط عليهن والشعور بأن هناك شخصًا ما موجودًا لرعايتهن».
تظهر هذه الظاهرة في الثقافة الشعبية أيضًا، مثل علاقة عارضة بيلا حديد برجل رعاة البقر وتزوج لانا ديل ري من مرشد سياحي في مستنقعات التماسيح. هذه الأحداث تعكس رغبة في الابتعاد عن حياة المدن الصاخبة والاختيار من خارج الدائرة الاجتماعية المعتادة.
التعب من الضغوط المهنية
تُشير الدكتورة شاميرا هوارد، أخصائية العلاج الجنسي والعلاقات، إلى أن هذا التوجه هو طريقة للتعامل مع الإرهاق والتعب الناتج عن الحياة المهنية المكثفة. فالمرأة العاملة في القطاع الخاص غالبًا ما تكون مطالبة بالأداء المستمر واتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية العاطفية.
وتضيف هوارد: «الحياة المهنية تفرض ضغوطًا مستمرة، وهذا ما يجعل الانجذاب إلى الرجل ذي المهن اليدوية بمثابة ملاذ. إنه يمثل النقيض تمامًا لهذه الضغوط، فهو يوفر الاستقرار والهدوء والقدرة على التركيز على الأمور الأساسية في الحياة».
البحث عن التوازن
بالإضافة إلى التعب من الضغوط المهنية، تبحث بعض النساء عن التوازن في حياتهن العاطفية. وربما يجدن في شريك يتمتع بمهارات عملية وقدرة على حل المشكلات ما يساعدهن على التعامل مع التحديات اليومية بشكل أفضل.
هذا التوجه، الذي أُطلق عليه البعض “الهروب من الإرهاق” (burnout escape)، يعكس رغبة في الابتعاد عن نمط الحياة السريع والبحث عن علاقة أكثر أصالة وواقعية.
هل هي مجرد نزوة أم تغيير دائم في القيم؟
يتساءل البعض عما إذا كان هذا التوجه مجرد نزوة عابرة أم أنه يمثل تغييرًا دائمًا في القيم والأولويات. هل تعني هذه الظاهرة أن النساء أصبحن أكثر تقديرًا للقيم التقليدية مثل الرجولة والحماية؟ أم أنها مجرد طريقة جديدة للتعامل مع ضغوط الحياة الحديثة؟
الخبراء يؤكدون على أن الأمر ليس بهذه البساطة. فالانجذاب إلى “صديق هال مارك” هو مزيج من العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية. ورغم أن العلاقة المثالية قد تبدو جذابة، إلا أنها تتطلب أيضًا التواصل والتفاهم والعمل المشترك. فالنجاح في أي علاقة لا يعتمد على المهنة أو الخلفية الاجتماعية، بل على القدرة على بناء الثقة والاحترام المتبادل.
العلاقات العاطفية الناجحة، بغض النظر عن الاختلافات في نمط الحياة أو المهنة، تتطلب جهدًا مشتركًا وتفاهمًا عميقًا. فمن المهم عدم الانجراف وراء الصورة الوردية لعلاقة “هال مارك” وتذكر أن الحياة الواقعية أكثر تعقيدًا.
من المتوقع أن يستمر هذا النقاش حول دوافع هذا التوجه وتأثيره على العلاقات العاطفية. مع استمرار نمط الحياة السريع وتزايد الضغوط المهنية، قد يصبح البحث عن شريك يوفر الاستقرار والهدوء والقدرة على الرعاية أمرًا أكثر شيوعًا بين النساء العاملات. يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الظاهرة ستتحول إلى اتجاه طويل الأمد أم أنها ستختفي مع مرور الوقت.






