يكتنف تاريخ السلطة في سوريا خلال المئة عام الماضية تعقيد كبير، حيث تداخلت مراحل الحكم المدني الدستوري مع فترات الانقلابات العسكرية والتدخل الأجنبي، وصولاً إلى المراحل الأخيرة من التغيير السياسي. تثير قائمة رؤساء سوريا خلال 100 عام الكثير من التساؤلات حول التسلسل الصحيح للرؤساء، إذ شملت القائمة شخصيات تسلمت الصلاحيات دون تسميتها الرسمية، وأخرى لم تمارس مهامها فعلياً. وبينما تتجه أخبار سوريا نحو مرحلة جديدة بعد سقوط نظام البعث، يصبح فهم هذا التاريخ المتقلب أمراً ضرورياً لتحديد مسار الدولة المستقبلي.


🏛️ العهد المدني الأول: من الانتداب إلى الاستقلال

بدأت القائمة الرسمية لرؤساء سوريا مع الانتداب الفرنسي، حيث كان صبحي بركات أول رئيس لدولة الاتحاد السوري عام 1922. كانت استقالته في 1925 احتجاجاً على القصف الفرنسي لدمشق بمثابة سابقة، إذ كان أول رئيس يتنحى طواعية.

تلاه أحمد نامي (1926-1928)، الذي عُيّن من قبل المفوض السامي الفرنسي وحكم دون دستور أو مجلس نيابي، وشهد عهده ذروة الثورة السورية الكبرى.

شهد عام 1932 نقطة تحول عندما تحولت “الدولة السورية” إلى جمهورية. انتُخب محمد علي العابد (1932-1936) ليكون أول رئيس للجمهورية السورية يحكم بشرعية الدستور والمجلس النيابي، رغم تعطيل فرنسا للمجلس لاحقاً.

بعد العابد، انتُخب الزعيم الوطني هاشم الأتاسي (1936-1939)، الذي استقال احتجاجاً على رفض فرنسا المصادقة على معاهدة 1936 الهادفة للاستقلال التدريجي.

رؤساء الحرب العالمية الثانية والمفارقات

عادت مرحلة التعيين مع تاج الدين الحسني (1941-1943)، الذي عُيّن من قبل الجنرال شارل ديغول، وكان أول رئيس يتوفى في سدة الحكم. أعقبه رئيساً بالوكالة هو جميل الألشي، ثم عطا الأيوبي للإشراف على الانتخابات، في عام شهد أربعة رؤساء.

توجت هذه المرحلة بانتخاب شكري القوتلي (1943-1949)، الذي شهد عهده أبرز منجزات الدولة الحديثة، مثل المشاركة في تأسيس جامعة الدول العربية، وحصول سوريا على الجلاء التام عن الانتداب الفرنسي في 1946. كما كان أول رئيس يعدّل الدستور ليُسمح له بولاية ثانية.

🔫 صعود العسكر وسنوات الانقلابات (1949-1970)

كانت حرب فلسطين نقطة تحول، حيث بدأت مرحلة تمادي العسكريين على الحكم المدني.

  • حسني الزعيم (1949): قاد أول انقلاب عسكري على القوتلي. أسّس لحكم العسكر وأجرى أول استفتاء شعبي بدلاً من الانتخاب النيابي. انتهى حكمه القصير بالإعدام، ليكون أول رئيس سوري يُعدم رمياً بالرصاص.
  • عودة الأتاسي: عاد هاشم الأتاسي ليترأس الدولة مرتين، في محاولة لإعادة الحياة البرلمانية والدستور بعد سقوط الزعيم، لكن التحديات العسكرية استمرت.
  • أديب الشيشكلي (1953-1954): حكم من خلف الستار عبر صديقه فوزي سلو، قبل أن يتولى الرئاسة عبر استفتاء شعبي. تميز عهده بازدهار اقتصادي وتقارب مع القوى الغربية. سقط بانقلاب عسكري، ثم عاد هاشم الأتاسي لاستكمال ولايته، ليسلمها سلمياً لشكري القوتلي.

كان تسليم الأتاسي الحكم للقوتلي عام 1955 هو المرة الأولى والأخيرة في تاريخ سوريا التي يتم فيها انتقال السلطة بشكل سلمي وديمقراطي كامل.

🤝 الوحدة والانفصال وحكم البعث

شهدت سوريا مرحلة الوحدة مع مصر (1958-1961) تحت رئاسة جمال عبدالناصر، وهو أول شخص غير سوري يصل إلى القصر الجمهوري بدمشق. انتهت الوحدة بانقلاب عسكري ليعود ناظم القدسي (1961-1963) إلى الرئاسة، ولكنه سرعان ما سقط بانقلاب البعث عام 1963.

تولى بعدها لؤي الأتاسي (1963) رئاسة مجلس قيادة “الثورة” بصلاحيات رئاسية محدودة، قبل أن يتولى أمين الحافظ (1963-1966) رئاسة الدولة، وهو عهد اتسم بقرارات تأميم قاسية.

انتهت هذه المرحلة بانقلاب صلاح جديد الذي نصب نور الدين الأتاسي (1966-1970) رئيساً للدولة، وهو ثالث رئيس من عائلة الأتاسي وأصغر رئيس في تاريخ سوريا. شهد عهده نكسة حرب 1967.

👨‍👦 حقبة الأسد (1970-2024) والنهاية

انقلب حافظ الأسد على نور الدين الأتاسي في 1970، وحكم البلاد أولاً عبر أحمد الخطيب رئيساً للدولة مؤقتاً، قبل أن يتولى الرئاسة بنفسه في 1971.

  • حافظ الأسد (1971-2000): أسس لحكم عسكري حزبي فردي، وجعل حزب البعث “قائداً للدولة والمجتمع”. كان أول زعيم عربي يعمل جدياً على التوريث.
  • بشار الأسد (2000-2024): تولى الحكم بعد وفاة والده، حيث عُدّل الدستور للسماح له بتولي الرئاسة في سن أصغر. اتسم عهده بالاستبداد وقمع المظاهرات، مما جر البلاد إلى حرب أهلية. انتهى حكمه بفراره في 8 ديسمبر 2024، منهياً 54 عاماً من حكم عائلة الأسد.

🆕 المرحلة الانتقالية: أحمد الشرع رئيساً

بعد سقوط نظام الأسد، أُعلنت إدارة العمليات العسكرية في سوريا عن إسناد منصب رئيس البلاد في المرحلة الانتقالية إلى أحمد الشرع في 29 يناير 2025. تضمنت القرارات تعليق الدستور وحل حزب البعث وجميع الفصائل العسكرية بدمجها في مؤسسات الدولة، بهدف ملء فراغ السلطة بشكل شرعي وقانوني والبدء بتشييد بنية اقتصادية تنموية.

📝 كلمة أخيرة

يظهر التاريخ السوري المضطرب مدى هشاشة المؤسسات الدستورية أمام سطوة العسكر والتدخلات الخارجية. من استقالة صبحي بركات الطوعية احتجاجاً على القصف، إلى إعدام حسني الزعيم، مروراً بفترات الوحدة والانفصال، وصولاً إلى عقود حكم البعث، بقيت رئاسة الدولة في سوريا تدور في حلقة مفرغة من التقلبات. يمثل تولي أحمد الشرع المرحلة الانتقالية فرصة حقيقية لإعادة بناء دولة مؤسسات تتميز بالاستقرار والعدالة، استناداً إلى دروس الماضي.

شاركها.