تنفق الشركات حول العالم مبالغ كبيرة على تطوير وتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي بهدف زيادة الكفاءة والإنتاجية. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن العديد من الموظفين لا يستفيدون بشكل كامل من هذه الأدوات الجديدة، مما يثير تساؤلات حول فعالية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.

وتظهر دراسات حديثة أن سوء الاستخدام يرجع في جزء كبير منه إلى عدم فهم إمكانات هذه التقنيات بشكل صحيح. فبدلًا من اعتبار الذكاء الاصطناعي شريكًا استراتيجيًا، يتعامل معه الكثيرون كأداة بسيطة لإنجاز المهام الروتينية، وهو ما يحد من العائد الحقيقي للاستثمار.

الاستخدام الأمثل للذكاء الاصطناعي: ما وراء إنجاز المهام

أكدت آلي ميلر، الرئيسة التنفيذية لشركة “أوبن ماشين”، أن الاستفادة القصوى من إمكانات الذكاء الاصطناعي تتطلب فهمًا أعمق لأوجه استخدامه المتعددة. وأشارت إلى أن هذه التقنيات ليست مجرد أدوات لإتمام المهام، بل يمكن أن تكون مساعدين شخصيين، أو مفوضين، أو حتى أعضاء فاعلين في فريق العمل.

ومع ذلك، أوضحت ميلر أن الغالبية العظمى من الموظفين – حوالي 90% – يقتصرون على استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة بسيطة أو محرك بحث متقدم. هذا النمط من الاستخدام يقلل بشكل كبير من القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها هذه النماذج.

ويرجع هذا القصور في الاستخدام إلى ميل الكثيرين لإصدار أوامر بسيطة ومحددة للذكاء الاصطناعي، بدلاً من استكشاف قدراته التفاعلية والتعلمية. هذا الأسلوب يجعل الذكاء الاصطناعي مجرد منفذ للأوامر، وليس شريكًا قادرًا على تقديم رؤى وحلول مبتكرة.

تحديات تبني الذكاء الاصطناعي في الشركات

تشير التقارير إلى أن الشركات تواجه تحديات كبيرة في دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها بشكل فعّال. أحد أبرز هذه التحديات هو نقص التدريب المناسب للموظفين، حيث أكدت دراسة لشركة “كورنرستون أون ديماند” أن 80% من موظفي الشركات في الولايات المتحدة يستخدمون الذكاء الاصطناعي دون تلقي تدريب كافٍ.

بالإضافة إلى ذلك، يمثل التغيير الثقافي والتكيف مع أساليب العمل الجديدة عقبة أخرى أمام تبني الذكاء الاصطناعي. فالموظفون الذين اعتادوا على العمل بشكل مستقل قد يجدون صعوبة في التعاون مع نماذج الذكاء الاصطناعي والاستفادة من قدراتها.

الذكاء الاصطناعي كموظف بدوام كامل: رؤية مستقبلية

ترى ميلر أن الخطوة التالية نحو الاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي تتمثل في تحويله إلى جزء لا يتجزأ من آلية العمل في الشركات. وهذا يعني السماح للذكاء الاصطناعي بالوصول إلى المعلومات ذات الصلة وتلقي الأوامر والطلبات مثل أي موظف آخر.

مثال على ذلك ما قامت به “أوبن إيه آي” من دمج أداة البرمجة الخاصة بها في منصة “سلاك” الخاصة بالشركة، مما يسمح للموظفين بالتفاعل معها مباشرةً وطلب المساعدة في مهامهم البرمجية. هذا التكامل يعزز التعاون ويزيد من إنتاجية الموظفين.

وبالتالي، فإن الأمر يتعدى مجرد استخدام الذكاء الاصطناعي لإنجاز المهام، بل يتعلق بجعله شريكًا فاعلاً في عملية صنع القرار وتحسين الأداء العام للمؤسسة. وهذا يتطلب من الشركات إعادة التفكير في كيفية تنظيم العمل وتوزيع المهام بين الموظفين ونماذج الذكاء الاصطناعي.

وتشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يصبح في نهاية المطاف بمثابة موظف بدوام كامل، قادرًا على العمل بشكل مستقل وتقديم قيمة مضافة للشركات على مدار الساعة. هذا التحول قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في سوق العمل ويستدعي استعدادًا مبكرًا من المؤسسات والأفراد على حد سواء.

نحو مستقبل الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل

تتوقع ميلر أن يشكل الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من بيئة العمل في السنوات المقبلة، وأن الشركات التي تنجح في تبنيه بشكل فعّال ستكون قادرة على تحقيق ميزة تنافسية كبيرة. ومع ذلك، تحذر ميلر من أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي على أنه أداة جامدة وبدون تفكير قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

ويرى الخبراء أنه من الضروري أن تستثمر الشركات في تدريب موظفيها على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح، وأن تعمل على بناء ثقافة تنظيمية تدعم التعاون بين البشر والآلات. من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة مزيدًا من التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في بيئة العمل، مما يستدعي متابعة دقيقة وتقييمًا مستمرًا للتغيرات المتوقعة.

شاركها.