شهد معرض جدة للكتاب 2025، المنعقد في مركز جدة للمعارض، ندوة حوارية هامة ناقشت مستقبل العمارة السعودية المعاصرة وتأثيرها على الهوية الوطنية. استضافت الندوة المهندس فهد اللويحان، أحد أبرز المهندسين المعماريين في المملكة، وأدارت فعالياتها الأستاذة إسراء فته، الصحفية المتخصصة في الشؤون الثقافية. جاءت هذه الندوة ضمن البرنامج الثقافي الغني الذي أعدته هيئة الأدب والنشر والترجمة، المنظمة للمعرض، بهدف إثراء الحوار الفكري وتعزيز المشهد الثقافي في السعودية.

الندوة التي أقيمت يوم [أدخل التاريخ]، جذبت حضوراً كبيراً من المهندسين المعماريين والباحثين والأكاديميين المهتمين بالتصميم الحضري والتراث المعماري. ركزت المناقشة على التحديات والفرص التي تواجه المهندسين المعماريين السعوديين في سياق التطور العمراني السريع الذي تشهده المملكة، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على الجذور الثقافية والهوية المميزة في التصاميم الحديثة. كما تناولت الندوة موضوع الاستدامة في العمارة السعودية.

ملامح الهوية في العمارة السعودية المعاصرة: رؤى وتحديات

أوضح المهندس فهد اللويحان أن العمارة السعودية المعاصرة يجب أن تكون انعكاساً للطموحات الوطنية مع الحفاظ على الارتباط الوثيق بالتراث. وأشار إلى أن التحدي الأكبر يكمن في إيجاد توازن بين الحداثة والمحافظة على العناصر المعمارية التقليدية التي تعبر عن الهوية السعودية عبر العصور. هذا التوازن، بحسب اللويحان، ليس مجرد مسألة جمالية، بل هو ضرورة ثقافية واجتماعية لتعزيز الانتماء والاعتزاز بالوطن.

أهمية السياق الثقافي والمناخي

أكد المتحدث على أهمية مراعاة السياق الثقافي والمناخي للمملكة في التصميم المعماري. فالتصاميم التي تتجاهل هذه العوامل قد تكون غير عملية وغير متوافقة مع احتياجات المجتمع. الدراسات الحديثة في مجال التصميم المستدام تشير إلى ضرورة استخدام مواد بناء محلية وتقنيات تقليدية في العمارة لتقليل البصمة الكربونية وتعزيز كفاءة الطاقة.

وشدد المهندس اللويحان على أن استخدام النماذج المعمارية المحلية لا يعني التقوقع أو رفض الاستفادة من الخبرات العالمية. بل على العكس، يمكن للتبادل الثقافي والمعرفي أن يثري التصميم المعماري السعودي ويساهم في تطويره. لكنه حذر من الاستنساخ الأعمى للنماذج الأجنبية، مشيراً إلى أن هذا قد يؤدي إلى فقدان الهوية المحلية وتشويه المظهر الحضري.

من جهتها، أشارت الأستاذة إسراء فته إلى الدور الحيوي الذي تلعبه وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية في نشر الوعي بأهمية الهوية في العمارة. وأضافت أن الإعلام يمكنه أن يساهم في تعريف الجمهور بالتصاميم المعمارية المتميزة التي تعبر عن الهوية السعودية، وأن يشجع على تبني هذه التصاميم في المشاريع الجديدة. وتعتبر فعالية معارض الكتاب مثل معرض جدة للكتاب ذات أهمية كبيرة في هذا السياق.

تأتي هذه الندوة في إطار سعي هيئة الأدب والنشر والترجمة إلى دعم الحوار الثقافي وتعزيز الإبداع في مختلف المجالات، بما في ذلك العمارة والتصميم. وتحرص الهيئة على إتاحة الفرصة للمبدعين والمفكرين لتبادل الأفكار والخبرات، وتقديم رؤى جديدة تساهم في تطوير المشهد الثقافي في المملكة. كما تهدف إلى دعم المبادرات التي تعزز الهوية الوطنية وتراثها.

وفي سياق متصل، يشهد قطاع الإنشاء والتشييد في المملكة العربية السعودية تطوراً هائلاً، مدفوعاً برؤية 2030 الطموحة التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية المستدامة. هذا التطور يتطلب تخطيطاً عمرانياً دقيقاً وتصاميم معمارية مبتكرة تلبي احتياجات المجتمع وتراعي الجوانب البيئية والثقافية. الاستثمار في التصميم الحضري هو استثمار في مستقبل المملكة.

وكشفت تقارير حديثة أصدرتها وزارة البلديات والشؤون القروية عن زيادة ملحوظة في عدد المشاريع العمرانية التي تعتمد على التصاميم المستدامة والمواد البناء المحلية. هذا التحول يعكس وعياً متزايداً بأهمية الحفاظ على البيئة والتراث المعماري. بالإضافة إلى ذلك، تشجع الحكومة القطاع الخاص على تبني هذه الممارسات من خلال تقديم حوافز وتسهيلات.

تعتبر المشاريع العملاقة التي تشهدها المملكة، مثل “نيوم” و “الوجه” وغيرها، بمثابة مختبرات حية للتصاميم المعمارية المبتكرة والمستدامة. تهدف هذه المشاريع إلى جذب السياحة والاستثمار، وتوفير فرص عمل جديدة، وتحسين جودة الحياة للمواطنين. ويرى خبراء التصميم المعماري أن هذه المشاريع ستساهم في إبراز الهوية السعودية على المستوى العالمي.

من المتوقع أن تستمر هيئة الأدب والنشر والترجمة في تنظيم المزيد من الفعاليات الثقافية التي تتناول قضايا العمارة والتصميم. كما يُنتظر أن تشهد المملكة المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. وسيبقى التركيز على إيجاد حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه التطور العمراني، مع الحفاظ على الهوية الثقافية والتراث المعماري. الخطوات التالية تتضمن دراسة تفصيلية لمخرجات الندوة وتضمينها في خطط التطوير المستقبلية، وذلك بحلول نهاية الربع الثالث من عام 2025، مع الأخذ في الاعتبار التغيرات المستمرة في السياسات والاستراتيجيات الحكومية.

شاركها.