اتفقت حكومات دول الاتحاد الأوروبي على موقف موحد بشأن اليورو الرقمي، مما يمثل خطوة حاسمة في مشروع يهدف إلى تعزيز السيادة النقدية للاتحاد وتعزيز دور العملة الموحدة على المستوى العالمي. يأتي هذا الاتفاق في وقت تتزايد فيه الجهود الأمريكية لترويج العملات المستقرة المدعومة بالدولار، مما يزيد من أهمية مبادرة اليورو الرقمي. وقد أعلنت الدنمارك، التي تتولى رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي، عن هذا التطور الهام يوم الجمعة.
يهدف هذا الإجراء إلى تحديث نظام المدفوعات الأوروبي وجعله أكثر قدرة على المنافسة، بالإضافة إلى تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية والأمن الاقتصادي لأوروبا. وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من الدراسة والتخطيط من قبل البنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية، وتستجيب لمخاوف متزايدة بشأن الاعتماد على شركات الدفع الأمريكية.
مسيرة اليورو الرقمي نحو الواقع
بدأت مساعي البنك المركزي الأوروبي لإصدار اليورو الرقمي في عام 2021، لكنها كانت تتطلب إطارًا قانونيًا واضحًا. قدمت المفوضية الأوروبية مقترحها في عام 2023، واستغرق الأمر أكثر من عامين للوصول إلى توافق بين الدول الأعضاء. الآن، ينتظر المشروع موافقة البرلمان الأوروبي قبل بدء المفاوضات النهائية بين المشرعين والمجلس.
أهمية الوصول الشامل
أكد المجلس الأوروبي على أهمية توفير خيارات التشغيل عبر الإنترنت وخارجها، مشددًا على ضرورة إتاحة كلا النمطين منذ الإصدار الأول لليورو الرقمي. يتماشى هذا الموقف مع رؤية البنك المركزي الأوروبي، ولكنه يختلف مع مقترح سابق قدمه فرناندو نافاريتي، العضو في البرلمان الأوروبي، الذي اقترح نموذجًا يعتمد على الإنترنت فقط.
الحدود والرسوم
ولتجنب أي تأثير سلبي على الاستقرار المالي، اتفقت الحكومات على ضرورة فرض حدود على حجم الحيازات الفردية لليورو الرقمي. وقد توصل وزراء مالية منطقة اليورو في وقت سابق من هذا العام إلى اتفاق بشأن كيفية تحديد هذه الحدود، مع التأكيد على التعاون الوثيق بين البنك المركزي الأوروبي والمجلس. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تحديد سقوف للرسوم المتعلقة بخدمات الدفع باليورو الرقمي.
ووفقًا لبيان المجلس، سيتم خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات على الأقل، تحديد سقف لرسوم التبادل ورسوم خدمات التجار بناءً على الرسوم المفروضة على وسائل الدفع المماثلة. وبعد انتهاء هذه الفترة، سيتم تحديد سقوف الرسوم بناءً على التكاليف الفعلية المرتبطة باليورو الرقمي. يهدف هذا الإجراء إلى ضمان تكلفة معقولة لخدمات الدفع الرقمية.
المخاوف والتحديات
تزايد قلق صانعي السياسات بشأن الاعتماد المفرط على شركات الدفع الأمريكية مثل فيزا وماستركارد وباي بال. كما أن هناك مخاوف متزايدة بشأن إمكانية انتشار العملات المستقرة المدعومة بالدولار في أوروبا، مما قد يهدد سيادة اليورو. العملات الرقمية تمثل تحديًا جديدًا للنظام المالي التقليدي.
في أكتوبر الماضي، اقترح فرناندو نافاريتي اعتماد نسخة رقمية لليورو تعمل عبر الإنترنت فقط، ما لم يقدم القطاع الخاص حلاً بديلاً. لكن البنك المركزي الأوروبي رفض هذه الفكرة، مؤكدًا على أهمية توفير كلا النسختين لضمان تحقيق الفوائد الكاملة للنقود الرقمية. التحول الرقمي للنقود يواجه تحديات تقنية وتنظيمية.
إذا سارت الأمور وفقًا للخطة، قد يبدأ البنك المركزي الأوروبي مرحلة تجريبية في عام 2027، مع إمكانية إطلاق اليورو الرقمي في عام 2029. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من العقبات التي يجب التغلب عليها، بما في ذلك الحصول على موافقة البرلمان الأوروبي وتطوير البنية التحتية اللازمة. الابتكار المالي يتطلب تعاونًا بين القطاعين العام والخاص.
الخطوة التالية هي أن ينجز البرلمان الأوروبي موقفه الخاص قبل بدء المفاوضات مع المجلس. من المتوقع أن تكون هذه المفاوضات معقدة، حيث قد تكون هناك خلافات حول بعض الجوانب الرئيسية للمشروع، مثل حدود الحيازات ورسوم المعاملات. يبقى أن نرى ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيتمكن من إطلاق اليورو الرقمي بحلول عام 2029، ولكن الاتفاق الأخير يمثل خطوة مهمة في هذا الاتجاه.






