لطالما كانت الأتمتة قوة دافعة للتغيير الاقتصادي، منذ الثورة الصناعية الأولى. ومع ذلك، فإن الموجة الحالية من التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي تختلف بشكل كبير عن سابقاتها. فبدلاً من استهداف الوظائف الروتينية فحسب، يتوقع الخبراء أن يؤثر الذكاء الاصطناعي بعمق على الوظائف المهنية عالية المهارة، وهي الوظائف التي تشكل أساس اقتصاد المعرفة في القرن الحادي والعشرين.
تتزايد المخاوف بشأن تأثير هذه التكنولوجيا على مستقبل العمل، حيث تشير التقديرات إلى أن ملايين الوظائف قد تتأثر خلال السنوات القادمة. ويأتي هذا التحول في وقت يشهد فيه العالم بالفعل تغيرات كبيرة في ديناميكيات سوق العمل، مما يزيد من أهمية فهم التحديات والفرص التي يطرحها الذكاء الاصطناعي.
كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الوظائف والاقتصاد؟
تشير التقارير الاقتصادية إلى أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تعزيز النشاط الاقتصادي العالمي بشكل كبير. فوفقًا لمعهد ماكنزي العالمي، يمكن أن يضيف الذكاء الاصطناعي ما يصل إلى 13 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030. كما يتوقع أن يساهم في زيادة الإنتاجية وتحسين الكفاءة في مختلف القطاعات.
ومع ذلك، فإن هذا النمو الاقتصادي المحتمل يأتي مصحوبًا بتحديات كبيرة. فالذكاء الاصطناعي يهدد بأتمتة العديد من الوظائف، مما قد يؤدي إلى فقدان الوظائف على نطاق واسع. ويشير تقرير صادر عن بنك غولدمان ساكس إلى أن ما يقرب من 300 مليون وظيفة بدوام كامل حول العالم قد تتأثر بالأتمتة التي يقودها الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى إعادة توزيع الوظائف بين القطاعات المختلفة. حسب تقرير “مستقبل الوظائف 2023” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، من المتوقع إنشاء 69 مليون وظيفة جديدة على مستوى العالم في مقابل إلغاء 83 مليون وظيفة، مما يعني نقصًا صافيًا يقدر بـ 14 مليون وظيفة في 45 اقتصادًا.
الوظائف الأكثر عرضة للخطر
تعتبر الوظائف التي تتطلب مهام متكررة وروتينية هي الأكثر عرضة للخطر في ظل انتشار الذكاء الاصطناعي. ويشمل ذلك وظائف في مجالات مثل التصنيع، وإدخال البيانات، وخدمة العملاء. وتقدر مجلة فوربس أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل ما يصل إلى مليوني عامل في قطاع التصنيع وحده بحلول عام 2026.
في المقابل، من المتوقع أن يزداد الطلب على الوظائف التي تتطلب مهارات إبداعية، ومهارات حل المشكلات المعقدة، والذكاء العاطفي. تشمل هذه الوظائف مجالات مثل البحث والتطوير، والتحليل الاستراتيجي، وإدارة المشروعات، والوظائف التي تتطلب تفاعلًا اجتماعيًا عاليًا.
كيف تنقذ وظيفتك في عصر الذكاء الاصطناعي؟
في مواجهة هذه التحولات، يصبح من الضروري على الأفراد تطوير مهارات جديدة والتكيف مع المتطلبات المتغيرة لسوق العمل. تعتبر القدرة على التعلم المستمر أمرًا بالغ الأهمية، فضلاً عن الاستعداد لاكتساب الخبرات في المجالات الناشئة. يتطلب ذلك الاستثمار في التعليم والتدريب، واكتساب المهارات الرقمية، وتنمية المهارات الشخصية التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاتها.
ويشير الخبراء إلى أهمية التركيز على المهارات التي تكمل قدرات الذكاء الاصطناعي، بدلاً من التنافس معه. ويشمل ذلك مهارات مثل التفكير النقدي، والإبداع، والابتكار، والقيادة، والتعاون. كما أن بناء خبرة متخصصة في مجال معين يمكن أن يزيد من القيمة المهنية ويقلل من خطر الأتمتة. إن اكتساب مهارات متقدمة في مجالات مثل تحليل البيانات والبرمجة يمكن أن يكون مفيدًا بشكل خاص.
Additionally, المرونة المهنية والقدرة على التكيف مع التغيير هما صفتان أساسيتان في عصر الذكاء الاصطناعي. قد يتطلب ذلك الاستعداد لتغيير المسار الوظيفي، أو لتولي مهام جديدة ومختلفة، أو للعمل في بيئات عمل متغيرة باستمرار.
ومع ذلك، فإن التحدي لا يقع على عاتق الأفراد فقط. يتوجب على الحكومات والشركات والمؤسسات التعليمية العمل معًا لتوفير الفرص اللازمة لإعادة تأهيل العمال وتطوير مهاراتهم. ويشمل ذلك الاستثمار في برامج التدريب المهني، وتقديم الدعم المالي للأفراد الذين يسعون إلى اكتساب مهارات جديدة، وتشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص لتحديد المهارات المطلوبة في المستقبل.
بشكل عام، يمثل الذكاء الاصطناعي تحديًا وفرصة في الوقت نفسه. النجاح في هذا العصر الجديد يتطلب الاستعداد للتغيير، والالتزام بالتعلم المستمر، وتنمية المهارات التي لا يمكن للآلات محاكاتها. وما زال من غير الواضح على المدى الطويل كيف ستتطور هذه التقنية وتؤثر على سوق العمل، لكن من المؤكد أن السنوات القليلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار هذا التحول.






