انتشر مقطع فيديو مزيف، تم إنشاؤه باستخدام الذكاء الاصطناعي، على منصة فيسبوك، يظهر فيه انقلاب عسكري مزعوم في فرنسا، وتسبب ذلك في قلق الرئيس إيمانويل ماكرون الذي تلقى رسالة من أحد رؤساء الدول الأفارقة للاستفسار عن الوضع. يبرز هذا الحادث التهديد المتزايد الذي تشكله مقاطع الفيديو المزيفة بالذكاء الاصطناعي على الديمقراطية والأمن العام، وإمكانية انتشار معلومات مضللة بسرعة وبشكل مقنع.

في الفترة الأخيرة، كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن اكتشافه لهذا الفيديو المضلل بعد أن أرسل إليه أحد زملائه الأفارقة رسالة تعبر عن قلقه الشديد. يعرض الفيديو مشاهد متداولة لهليكوبتر تحلق، وعناصر عسكرية، وحشود من الناس، بالإضافة إلى امرأة تقدم نفسها كمذيعة أخبار، وتعلن عن وقوع انقلاب بقيادة عميد مجهول الهوية.

الذكاء الاصطناعي ومقاطع الفيديو المزيفة: تهديد متزايد

على الرغم من أن الفيديو يبدو مقنعًا للوهلة الأولى، إلا أنه تبين لاحقًا أنه كاذب تمامًا، وتم إنشاؤه بواسطة تقنية الذكاء الاصطناعي. وقد أثار هذا الأمر جدلاً واسعًا حول قدرة هذه التقنيات على التلاعب بالواقع وخلق معلومات كاذبة يمكن أن تؤثر على الرأي العام وحتى الأمن القومي.

حاول الرئيس ماكرون، وفقًا لتصريحاته لصحيفة “لا بروفانس” الفرنسية، أن يطلب من “فاروس”، وهي المنصة الرسمية للإبلاغ عن المحتوى غير القانوني على الإنترنت، الاتصال بشركة “ميتا” المالكة لفيسبوك لإزالة الفيديو، لكن طلبه قوبل بالرفض بحجة أنه لا ينتهك “قواعد الاستخدام” الخاصة بالمنصة.

وأضاف ماكرون أنه اضطر إلى التدخل شخصيًا للضغط على المنصة لإزالة الفيديو، معربًا عن استيائه من أن “هؤلاء الأشخاص يسخرون منا” وأنهم “لا يهتمون بسلامة النقاش العام، ولا يهتمون بالديمقراطية، وبالتالي فإنهم يعرضوننا للخطر”.

من يقف وراء هذه المقاطع؟

يعود نشر الفيديو الأصلي، الذي حقق أكثر من 12 مليون مشاهدة، إلى حساب على فيسبوك باسم “Islam”، وهو حساب لا ينشر محتوى دينيًا كما يوحي الاسم. تبين أن الحساب يديره مراهق من بوركينا فاسو يكسب المال من خلال تقديم دورات تدريبية حول كيفية تحقيق الدخل من الذكاء الاصطناعي.

بعد فترة وجيزة من الجدل السياسي والشعبي، قام المراهق بإزالة الفيديو من صفحته. وحاول فريق “ذا كيوب” التابع لمجموعة يورونيوز الإخباري التواصل معه عبر الرقم المذكور في حسابه على فيسبوك، لكن محاولاتهم لم تلقَ أي استجابة حتى الآن.

يظهر في بعض مقاطع الفيديو الإخبارية المضللة شعار “راديو فرنسا الدولية” (RFI)، وهي المؤسسة العامة للإذاعة الفرنسية، محفور على الميكروفون الذي تحمله المذيعة المُنشأة بالذكاء الاصطناعي.

تظهر علامة مائية “Sora” في بعض الفيديوهات، مما يشير إلى أن الكثير من هذا المحتوى تم إنشاؤه على الأرجح باستخدام هذه التقنية. “Sora 2” هي تقنية طورتها شركة “OpenAI”، وهي الشركة نفسها التي أنشأت “ChatGPT”، وتسمح للمستخدمين بإنشاء مقاطع فيديو واقعية للغاية مدتها 10 ثوانٍ من خلال كتابة نصوص وصفية.

بالرغم من أن هذه العلامة المائية يمكن إزالتها بسهولة في مرحلة ما بعد الإنتاج، إلا أنها دليل على التقنيات المستخدمة في إنشاء هذه المقاطع. وقد أثارت هذه التقنية جدلاً منذ إطلاقها في أكتوبر الماضي، مما أدى إلى انتشار واسع لمقاطع الفيديو الذكية التي يصعب تمييزها عن الحقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي.

تداعيات انتشار مقاطع الفيديو المزيفة بالذكاء الاصطناعي

يثير هذا الحادث مخاوف جدية بشأن دور وسائل التواصل الاجتماعي في مكافحة انتشار المعلومات المضللة، والتحديات التي تواجهها في التحقق من صحة المحتوى الذي يتم نشره على منصاتها. ويزداد خطر انتشار التضليل الإعلامي مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وزيادة سهولة الوصول إليها.

يشير الخبراء إلى أن هذه المقاطع يمكن استخدامها في حملات التضليل السياسي، أو لتشويه سمعة الأفراد والمؤسسات، أو حتى لإثارة الفتن والاضطرابات الاجتماعية. وتتطلب مواجهة هذا التحدي تطوير أدوات وتقنيات جديدة للكشف عن المحتوى المُنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تعزيز الوعي العام بأهمية التحقق من المعلومات قبل مشاركتها.

الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي التوليدي هما من المجالات التي تتطلب اهتمامًا متزايدًا في ظل هذه التطورات.

من المتوقع أن تدرس السلطات الفرنسية هذا الحادث عن كثب، وأن تتخذ خطوات لتعزيز التشريعات المتعلقة بمكافحة المعلومات المضللة على الإنترنت. كما ينبغي على شركات وسائل التواصل الاجتماعي مراجعة سياساتها وإجراءاتها لضمان قدرتها على الكشف عن مقاطع الفيديو المزيفة وإزالتها بسرعة وفعالية. المراقبة المستمرة لتطورات الذكاء الاصطناعي والتعاون الدولي بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني أمران حاسمان في مواجهة هذا التهديد المتنامي.

شاركها.