اختتم قادة الاتحاد الأوروبي قمة مكثفة في بروكسل استمرت 16 ساعة، شهدت موافقات حاسمة وتأجيلات مفاجئة. أبرز نتائج القمة تخص حزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة 90 مليار يورو، سيتم تمويلها عبر الديون المشتركة، مع استبعاد أي أموال روسية في هذا التمويل. كما تم تأجيل التوقيع على اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وتجمع “ميركوسور”. هذه التطورات المتعلقة بـقمة الاتحاد الأوروبي لها تداعيات كبيرة على مستقبل العلاقات الأوروبية والدولية.
عقدت القمة في بروكسل، بلجيكا، في التاسع عشر من ديسمبر 2025، بمشاركة رؤساء الدول والحكومات الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي حضر القمة شخصيًا. ركزت المناقشات بشكل أساسي على دعم أوكرانيا، وإصلاح الميزانية الأوروبية، وملفات التجارة الدولية، بما في ذلك اتفاقية “ميركوسور”. النتائج النهائية تعكس توترات بين الدول الأعضاء حول هذه القضايا.
نتائج قمة الاتحاد الأوروبي: دعم أوكرانيا وتأجيل “ميركوسور”
تم التوصل إلى اتفاق بشأن حزمة المساعدات المالية لأوكرانيا بقيمة 90 مليار يورو، وهي خطوة حاسمة لدعم الاقتصاد الأوكراني في ظل استمرار الحرب. سيتم تمويل هذه الحزمة من خلال إصدار سندات مشتركة من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمثل سابقة جديدة في التعاون المالي الأوروبي.
ومع ذلك، فقد واجه هذا الاتفاق معارضة من بعض الدول الأعضاء، التي كانت تفضل آليات تمويل مختلفة. أكدت مصادر أوروبية أن الاتفاق النهائي جاء بعد مفاوضات شاقة، وتنازلات متبادلة بين الأطراف المعنية.
تأثير دعم أوكرانيا على الميزانية الأوروبية
يتطلب تمويل حزمة المساعدات لأوكرانيا تعديلات على الميزانية الأوروبية طويلة الأجل. يهدف الاتحاد الأوروبي إلى ضمان استدامة المالية العامة للدول الأعضاء، مع الاستمرار في تقديم الدعم اللازم لأوكرانيا.
في المقابل، تم تأجيل التوقيع على اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وتجمع “ميركوسور” الذي يضم البرازيل والأرجنتين وأوروغواي وباراغواي. جاء هذا التأجيل استجابة لطلب من رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، بسبب مخاوف تتعلق بتأثير الاتفاقية على المزارعين الأوروبيين.
وقد أثار هذا التأجيل انتقادات من بعض الدول الأعضاء، التي كانت ترى في اتفاقية “ميركوسور” فرصة لتعزيز التجارة والاستثمار. لكن ميلوني أكدت على ضرورة حماية مصالح المزارعين الأوروبيين، الذين نظموا احتجاجات واسعة النطاق في بروكسل بالتزامن مع القمة.
مخاوف زيلينسكي وتأثير الاحتجاجات
حذر الرئيس الأوكراني زيلينسكي قادة الاتحاد الأوروبي خلال القمة من أن التهديدات التي تواجه أوروبا أكبر بكثير من أي دعاوى قضائية محتملة، في إشارة إلى المخاوف المتعلقة بالمساءلة القانونية المحتملة بشأن استخدام الأموال الأوروبية. وقضى زيلينسكي ساعات طويلة في محادثات مع رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي فيفر، لمناقشة سبل تعزيز الدعم الأوروبي لأوكرانيا.
علاوة على ذلك، سلطت الاحتجاجات التي نظمها المزارعون الأوروبيون الضوء على التوترات المتزايدة حول سياسات التجارة والزراعة في الاتحاد الأوروبي. وطالب المزارعون بضمانات لحماية دخلهم ومصالحهم، في ظل المنافسة المتزايدة من المنتجات المستوردة.
تعتبر قضية السياسة الزراعية المشتركة (CAP) من القضايا الرئيسية التي أثارت قلق المزارعين، حيث يرون أنها لا توفر لهم الدعم الكافي لمواجهة التحديات التي يواجهونها. كما أبدوا قلقهم بشأن تأثير اتفاقيات التجارة الحرة على أسعار المنتجات الزراعية.
ردود الفعل على تأجيل اتفاقية “ميركوسور”
أعرب العديد من المراقبين عن دهشتهم من تأجيل اتفاقية “ميركوسور”، التي كانت قيد التفاوض لسنوات عديدة. ويرى البعض أن هذا التأجيل يعكس تزايد النزعات الحمائية في أوروبا، وأنها قد تؤثر سلبًا على العلاقات التجارية مع دول أمريكا الجنوبية.
في المقابل، يرى آخرون أن هذا التأجيل هو خطوة ضرورية لحماية مصالح المزارعين الأوروبيين، وأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يعطي الأولوية لرفاهية مواطنيه.
تأتي هذه القمة في سياق تحولات جيوسياسية كبيرة، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، وتزايد التنافس بين القوى الكبرى. ويواجه الاتحاد الأوروبي تحديات متعددة، تتطلب منه اتخاذ قرارات حاسمة لضمان أمنه وازدهاره.
من المتوقع أن تستأنف المفاوضات بشأن حزمة المساعدات لأوكرانيا واتفاقية “ميركوسور” في الأشهر المقبلة. لكن من غير الواضح ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق نهائي في ظل استمرار الخلافات بين الدول الأعضاء. سيكون من المهم مراقبة التطورات السياسية والاقتصادية في أوروبا والعالم، لتقييم تأثير هذه القرارات على مستقبل الاتحاد الأوروبي.






