شهد شهر أكتوبر الماضي زيادة ملحوظة في حيازات دولة الإمارات العربية المتحدة من سندات الخزانة الأمريكية، حيث اشترت ما قيمته 7.5 مليار دولار، لتصل بذلك حيازتها الإجمالية إلى 110.7 مليار دولار، وفقًا لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية. يأتي هذا التحرك في وقت يشهد فيه السوق تراجعًا عامًا في حيازات الأجانب من هذه السندات، مما يجعل زيادة الإمارات لافتة للنظر. ويعكس هذا الاتجاه المتزايد اهتمامًا بأصول الولايات المتحدة كجزء من استراتيجية التنويع الاستثماري للإمارات.

وتظهر البيانات السنوية أيضًا نموًا كبيرًا في استثمارات الإمارات في سندات الخزانة الأمريكية، حيث ارتفعت بمقدار 42.4 مليار دولار مقارنة بشهر أكتوبر من العام الماضي، والذي سجلت فيه حيازات بقيمة 68.3 مليار دولار. هذا يؤكد اتساع نطاق تعرض الإمارات للسوق المالية الأمريكية خلال العام الواحد. ويعتبر هذا المستوى من الحيازات من بين الأعلى خلال العام الحالي.

حيازات الإمارات من سندات الخزانة الأمريكية تشهد ارتفاعًا

تأتي هذه الزيادة في حيازات الإمارات في ظل انخفاض إجمالي الحيازات الأجنبية من سندات الخزانة الأمريكية بمقدار 5.8 مليار دولار لتصل إلى 9.24 تريليون دولار خلال شهر أكتوبر. ويعزى هذا الانخفاض بشكل أساسي إلى عمليات بيع من قبل الصين، ثاني أكبر حائز على هذه السندات.

انخفضت حيازات الصين من سندات الخزانة الأمريكية بمقدار 11.8 مليار دولار، لتصل إلى 688.7 مليار دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 2008، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية. هذا التراجع يثير تساؤلات حول السياسة النقدية الصينية وتأثيرها على الأسواق العالمية.

تباين أداء الدول الكبرى في حيازة السندات

في المقابل، سجلت اليابان، أكبر حائز أجنبي لسندات الخزانة الأمريكية، زيادة شهرية بلغت 10.7 مليار دولار، مما رفع حيازاتها إلى 1.2 تريليون دولار، وهو الأعلى منذ يوليو 2022. تشير هذه الزيادة إلى ثقة اليابان في الاقتصاد الأمريكي واستقرار الدولار.

كما شهدت المملكة المتحدة زيادةً في حيازاتها، حيث ارتفعت بمقدار 13.2 مليار دولار لتصل إلى 877.9 مليار دولار. يعكس ذلك ربما تحولات في الاستراتيجيات الاستثمارية للمملكة المتحدة. أما بالنسبة للسعودية، فقد سجلت حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية استقرارًا نسبيًا عند 134.4 مليار دولار خلال أكتوبر.

يأتي هذا النشاط المتزايد في سوق سندات الخزانة الأمريكية وسط تدقيق متزايد بشأن تأثير التغيرات في حيازات الأجانب. وتزايدت المخاوف من احتمال حدوث موجة مبيعات واسعة النطاق، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية العالمية المتصاعدة. هذه المخاوف تتعلق بشكل خاص بتأثير ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية على جاذبية السندات.

إلا أن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت قد نفى مرارًا وتكرارًا ما يسمى بسردية “بيع الأصول الأمريكية”، مؤكدًا أن التحركات الحالية هي أقرب إلى إعادة توزيع للمحافظ الاستثمارية وتحوط للمخاطر. وأشار إلى أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال قويًا وقادرًا على جذب الاستثمارات الأجنبية. وتعد إعادة التموضع هذه جزءًا من استراتيجية أكبر لإدارة المخاطر الاستثمارية في بيئة عالمية متغيرة.

تعتبر سندات الخزانة الأمريكية ملاذًا آمنًا تقليديًا للمستثمرين العالميين، خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية. ويراقب خبراء الاقتصاد عن كثب اتجاهات حيازات هذه السندات، حيث يمكن أن توفر مؤشرات مبكرة حول التغيرات في الثقة في الاقتصاد الأمريكي والسياسة النقدية الفيدرالية. وتشمل العوامل الأخرى التي تؤثر على هذه الحيازات أسعار الفائدة العالمية، وأداء الأسواق المالية الأخرى، والتطورات الجيوسياسية.

من المتوقع استمرار مراقبة التغيرات في حيازات الأوراق المالية الحكومية الأمريكية في الأشهر القادمة، مع التركيز بشكل خاص على سياسة الصين تجاه هذه السندات. كما ستكون تصريحات وزارة الخزانة الأمريكية وبياناتها المستقبلية ذات أهمية خاصة في تقييم الوضع العام. من المهم ملاحظة أن استمرار التقلبات في الأسواق العالمية يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التغيرات في حيازات الأجانب من سندات الخزانة الأمريكية، مما يتطلب تحليلاً دقيقًا ومستمرًا للوضع الراهن.

في الختام، يمثل صعود حيازات الإمارات من سندات الخزانة الأمريكية نقطة مضيئة وسط الاتجاه العام نحو الانخفاض. مع ذلك، فإن الصورة الكاملة متروكة لتقييم ميزان تأثير التطورات الجيوسياسية والاقتصادية على قرارات الاستثمار المستقبلية، سواء من قبل الإمارات أو غيرها من الدول الكبرى. يجب متابعة بيانات وزارة الخزانة الأمريكية في الأشهر المقبلة لفهم التطورات بشكل كامل.

شاركها.