التقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، اليوم في الرياض، برئيس مجلس السيادة الانتقالي في جمهورية السودان، عبدالفتاح البرهان. وتأتي هذه القمة في إطار الجهود السعودية المستمرة لدعم الاستقرار في السودان، وتحديداً في ظل الأوضاع الراهنة التي تشهدها البلاد. الاجتماع يمثل تطوراً مهماً في العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية والسودان، ويهدف إلى بحث سبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، بما في ذلك الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية، بالإضافة إلى مناقشة الأزمة السودانية.
عقد اللقاء في مكتب سمو ولي العهد بقصر اليمامة، بحضور عدد من المسؤولين من الجانبين. لم يصدر بيان مفصل بعد الاجتماع، لكن وكالة الأنباء السعودية (واس) أشارت إلى أن المناقشات كانت “بناءة” و”تتناول المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”. هذا اللقاء يكتسب أهمية خاصة نظراً للدور المحوري الذي تلعبه السعودية في الوساطة لحل الأزمة السودانية.
مباحثات ولي العهد مع البرهان: دعم الاستقرار في السودان
تركزت المباحثات بشكل أساسي على الأوضاع المتدهورة في السودان منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل. وتشمل هذه الأوضاع الجوانب الإنسانية والأمنية والسياسية، بالإضافة إلى تأثيرها على المنطقة ككل. السعودية، إلى جانب الولايات المتحدة، تقود جهوداً دبلوماسية مكثفة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وإعادة السودان إلى مسار الانتقال المدني.
الجهود السعودية والوساطة الإقليمية
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستقبل فيها السعودية البرهان في ظل الأزمة. فقد سبق لسمو ولي العهد أن التقى بالبرهان عدة مرات في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة. وتعتبر السعودية شريكاً رئيسياً للسودان، ولديها مصالح استراتيجية في استقرار البلاد، خاصةً وأن السودان يقع في منطقة حساسة تشهد صراعات وتحديات أمنية متعددة.
بالإضافة إلى الوساطة المباشرة، قدمت المملكة مساعدات إنسانية عاجلة للسودان، بما في ذلك إرسال الطائرات المحملة بالإمدادات الطبية والغذائية. وتستضيف السعودية أيضاً عدداً كبيراً من السودانيين الذين اضطروا إلى مغادرة بلادهم بسبب الاشتباكات. وتشير التقارير إلى أن المملكة تدرس تقديم المزيد من المساعدات للسودان، سواء كانت إنسانية أو اقتصادية.
الاجتماع يأتي بعد سلسلة من المحادثات التي جرت في جدة برعاية السعودية والولايات المتحدة، والتي أسفرت عن عدة اتفاقيات وقف إطلاق نار مؤقتة، لم يتم الالتزام بها بشكل كامل من قبل الطرفين المتنازعين. ومع ذلك، تظل جدة منصة مهمة للحوار والتفاوض بين الجيش وقوات الدعم السريع. وتسعى السعودية إلى إيجاد حل سياسي شامل للأزمة السودانية يضمن مشاركة جميع الأطراف في الحكم.
الوضع الاقتصادي في السودان يمثل تحدياً إضافياً. فقد تسبب الصراع في تعطيل الاقتصاد وتفاقم الأزمة الإنسانية. وتشير التقديرات إلى أن ملايين السودانيين يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء والدواء. وتدرس السعودية إمكانية تقديم دعم اقتصادي للسودان لمساعدته على تجاوز هذه الأزمة. وتشمل هذه المساعدات تقديم قروض ومنح استثمارية.
من الجانب السوداني، يمثل لقاء البرهان بولي العهد فرصة لشرح وجهة نظر الحكومة الانتقالية حول الأزمة، وطلب الدعم السعودي لمواجهة التحديات التي تواجه السودان. كما يمكن أن يكون الاجتماع فرصة لتبادل وجهات النظر حول سبل تحقيق الاستقرار والسلام في البلاد. وتأكيداً على أهمية العلاقة بين البلدين، فقد أعرب البرهان عن تقديره العميق للدور الذي تلعبه السعودية في دعم السودان.
العلاقات السعودية السودانية شهدت تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خاصةً بعد ثورة ديسمبر 2018 في السودان. وقدمت السعودية دعماً كبيراً للحكومة الانتقالية في السودان، بما في ذلك الدعم المالي والاقتصادي. وتشمل مجالات التعاون المشترك بين البلدين التجارة والاستثمار والطاقة والبنية التحتية. وتحرص السعودية على تعزيز العلاقات مع السودان في جميع المجالات.
الوضع الإقليمي تأتي هذه المباحثات في سياق إقليمي مضطرب، حيث تشهد المنطقة صراعات وتحديات أمنية متعددة. وتشعر السعودية بالقلق إزاء تأثير الأزمة السودانية على الأمن والاستقرار في المنطقة. وتسعى السعودية إلى لعب دور فعال في حل هذه الأزمة، ومنع تحولها إلى صراع إقليمي أوسع. وتشمل الجهود السعودية التشاور مع الدول الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السودانية.
في الختام، من المتوقع أن تستمر السعودية في جهودها الدبلوماسية والوساطة لحل الأزمة السودانية. ومن المرجح أن تشهد الأيام القادمة مزيداً من المحادثات بين الأطراف المتنازعة، برعاية السعودية والولايات المتحدة. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الجهود ستنجح في تحقيق وقف دائم لإطلاق النار وإعادة السودان إلى مسار الانتقال المدني. ويتوقف مستقبل السودان على قدرة الأطراف المتنازعة على التوصل إلى حل سياسي شامل يضمن الاستقرار والسلام.





