تواجه الاتحاد الأوروبي قرارات حاسمة هذا الأسبوع بشأن الأمن والاقتصاد، مع تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة. ومن المقرر أن يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي الـ 27 في بروكسل يوم الخميس لمناقشة حزمة مقترحات تهدف إلى تعزيز استقلالية أوروبا، بما في ذلك مساعدة أوكرانيا واستكمال اتفاقية تجارية مع مجموعة “ميركوسور” في أمريكا الجنوبية. هذه القضايا، التي تمثل تحديات كبيرة، ستحدد مكانة الاتحاد الأوروبي على الساحة العالمية.

أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة، مشيرة إلى أن الوضع الجيوسياسي الحالي يختلف تمامًا عن الماضي. وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يحدد مساره الخاص بدلاً من السماح لوجهات نظر الآخرين بتشكيله. وتأتي هذه التصريحات في ظل انتقادات متزايدة من الإدارة الأمريكية الحالية لسياسات الاتحاد الأوروبي.

مستقبل المساعدات الاقتصادية لأوكرانيا وتجميد الأصول الروسية

أحد الملفات الرئيسية المطروحة على طاولة القادة الأوروبيين هو كيفية الاستمرار في دعم الاقتصاد الأوكراني في مواجهة العدوان الروسي المستمر. تقترح فون دير لاين خطة غير مسبوقة للاستفادة من الأصول الروسية المجمدة داخل الاتحاد الأوروبي لتقديم قروض لأوكرانيا.

ومع ذلك، لاقت هذه الخطة انقسامات بين الدول الأعضاء. تعرب بلجيكا، التي تحتفظ بمعظم هذه الأصول، عن قلقها بشأن توزيع المخاطر المرتبطة بهذا الإجراء بشكل عادل بين جميع الدول. وتطالب بلجيكا بضمانات إضافية لحماية مصالحها المالية.

التحديات القانونية والسياسية

بالإضافة إلى المخاوف المالية، هناك تحديات قانونية وسياسية تتعلق باستخدام الأصول المجمدة كضمان. يرى بعض الخبراء أن هذا الإجراء قد يتعارض مع القوانين الدولية وقد يؤدي إلى دعاوى قضائية من قبل روسيا. كما أن هناك جدلاً حول ما إذا كان من الأخلاقي استخدام أصول دولة مجمدة لتمويل دولة أخرى.

اتفاقية التجارة الحرة مع “ميركوسور”: قرار مصيري

يمثل إبرام اتفاقية تجارية حرة مع مجموعة “ميركوسور” (الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي) تحديًا آخرًا كبيرًا يواجه الاتحاد الأوروبي. بدأت المفاوضات حول هذه الاتفاقية قبل 25 عامًا، لكنها لم تكتمل بعد بسبب الخلافات حول قضايا مثل الزراعة وحقوق العمال والبيئة. تعتبر هذه الاتفاقية بمثابة اختبار لقدرة الاتحاد الأوروبي على إبرام اتفاقيات تجارية في عالم يتزايد فيه الحمائية.

تعارض فرنسا بشدة إتمام الصفقة، حيث تخشى أن يؤدي ذلك إلى إلحاق الضرر بصناعتها الزراعية. وتدعو إلى تأجيل التصويت على الاتفاقية إلى العام المقبل، في خطوة يرى معارضو الاتفاقية أنها قد تقتل الصفقة بشكل فعال. وتسعى فرنسا للحصول على دعم إضافي من الدول الأعضاء الأخرى لعرقلة الاتفاقية.

تعتبر إيطاليا حاليًا “صانعة القرار” في هذا الصدد. فبدون دعم إيطاليا، سيكون من الصعب على فرنسا تشكيل أغلبية مانعة لإلغاء الاتفاقية. ومع ذلك، فإن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني لم تكشف بعد عن موقفها النهائي، مما يزيد من حالة عدم اليقين.

الرد على السياسات التجارية الأمريكية

تأتي هذه المناقشات في وقت يشهد فيه الاتحاد الأوروبي تصعيدًا في التوترات التجارية مع الولايات المتحدة. فقد حذرت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الأخيرة من “تراجع حضاري” محتمل في أوروبا، ووصف الرئيس ترامب القارة بأنها “دول متداعية” بقيادة “سياسيين ضعفاء”.

كما انتقد الممثل التجاري الأمريكي، جيمييسون جرير، اللوائح الرقمية للاتحاد الأوروبي، متهمًا الاتحاد والدول الأعضاء بفرض “دعاوى قضائية وغرامات وضريبة تمييزية” على الشركات الأمريكية. ورد متحدث باسم الاتحاد الأوروبي بأن قواعده “تنطبق بالتساوي ونزاهة على جميع الشركات العاملة في الاتحاد الأوروبي”، وأنها تهدف إلى “ضمان ساحة لعب عادلة وآمنة”. هذه الخلافات تؤكد على أهمية تعزيز استقلالية التجارة الأوروبية.

تعتبر هذه التطورات بمثابة تحول في موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم علاقاته مع واشنطن. ويؤكد قادة الاتحاد الأوروبي على ضرورة الدفاع عن مصالح أوروبا وتعزيز التعاون مع الشركاء الآخرين في جميع أنحاء العالم.

من المتوقع أن يشهد اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل مناقشات مكثفة حول هذه القضايا. سيكون من المهم مراقبة موقف إيطاليا بشكل خاص، حيث يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في تحديد مصير اتفاقية التجارة الحرة مع “ميركوسور”. كما أن مستقبل المساعدات الاقتصادية لأوكرانيا وتجميد الأصول الروسية لا يزال غير واضحًا، ويتوقف على التوصل إلى توافق بين الدول الأعضاء. القرارات التي ستتخذ في هذا الاجتماع ستشكل السياسة الخارجية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي في السنوات القادمة.

شاركها.