غزة – كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن زيادة ملحوظة في الجهود المبذولة لتسهيل مغادرة الأفراد ذوي المهارات المتخصصة من قطاع غزة، بمن فيهم الأطباء والصحفيون والأكاديميون والباحثون، وذلك عبر آليات رسمية وغير رسمية، وغالباً ما تتم وفق إجراءات غير شفافة. وتثير هذه التحركات تساؤلات حول مستقبل الكفاءات الفلسطينية في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع، وتأثير ذلك على عملية إعادة الإعمار والتنمية المستدامة. وتعتبر قضية هجرة الكفاءات من غزة من القضايا الحساسة التي تتطلب دراسة متأنية وتحليلًا دقيقًا.

وقال الدكتور رامي عبدو، رئيس المرصد الأورومتوسطي، إن هذه الجهود تتضمن إصدار تأشيرات خاصة، وتسهيل إجراءات العبور، وترتيبات لتأمين ممرات للخروج، بالإضافة إلى تقديم منح دراسية أو فرص عمل، أو تسهيل لم شمل العائلات. وأضاف أن هذه التحركات ليست عشوائية، بل تبدو جزءًا من نمط أوسع نطاقًا يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للقطاع وتقويض قدرته على الصمود.

مخطط ممنهج لهجرة الكفاءات

وأشار الدكتور عبدو إلى أن هناك تركيزًا خاصًا على تسهيل سفر الأطباء، نظرًا للحاجة الماسة إليهم في الخارج. وأوضح أن المرصد تابع تواصل جهات مختلفة مع أطباء في تخصصات دقيقة لتقديم تسهيلات لهم بالسفر وعود بعقود عمل. لكن هذا يأتي في وقت يشهد فيه القطاع انهيارًا في النظام الصحي، مما يثير مخاوف بشأن تداعيات فقدان هذه الكفاءات على الخدمات الطبية المقدمة للسكان.

وفي سياق الاستهداف الإسرائيلي المتزايد للمنظومة الصحية في غزة، بما في ذلك قصف المستشفيات وقتل الطواقم الطبية، يرى المرصد أن تسهيل سفر الكفاءات المتبقية يمثل خطورة بالغة. ويؤكد أن المشكلة تزداد تعقيدًا عندما يتعلق الأمر بخبراء علاج مصابي الحروب، مثل أطباء الأوعية الدموية والجراحين المتخصصين.

ويصف المرصد هذه التحركات بأنها جزء من “مخطط ممنهج” يهدف إلى إضعاف المجتمع الفلسطيني وتقويض قدرته على التنمية والاعتماد على الذات. ويؤكد أن الربط بين استهداف الكفاءات وتسهيل سفر من نجا واضح، حيث تسعى إسرائيل إلى إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني من خلال إفراغه من عناصره الفاعلة والمؤثرة.

الخسائر البشرية في القطاعات الحيوية

تشير الإحصائيات الفلسطينية إلى أن قوات الاحتلال قتلت منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023 حوالي 1670 من الطواقم الطبية، و257 صحفيًا، و830 معلمًا وموظفًا في قطاع التعليم، بالإضافة إلى أكثر من 13500 طالب وطالبة. وتعكس هذه الأرقام حجم الضرر الذي لحق بالقطاعات الحيوية في غزة، وتأثير ذلك على مستقبل التنمية والتعليم والصحة.

وتشير التقارير إلى أن هذه الخسائر تترافق مع صعوبات كبيرة في توفير الخدمات الأساسية للسكان، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والمياه والصرف الصحي. ويؤدي ذلك إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع وزيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية.

طرق غامضة وتحديات قانونية

ويؤكد المرصد الأورومتوسطي أنه لا يمتلك إحصاءً دقيقًا لعدد الكفاءات التي غادرت غزة، لكنه يقدر أن المئات منهم قد غادروا بالفعل. ويثير قلقه أن جزءًا كبيرًا من هذه المغادرة يتم بطرق غامضة وغير واضحة، مما يثير الشكوك حول الدوافع والأهداف الحقيقية وراء هذه التحركات.

ويرى المرصد أن هذه التحركات لا يمكن اعتبارها مجرد مغادرة طوعية، بل هي نتيجة للظروف القاسية التي فرضها الاحتلال على سكان غزة. ويؤكد أن تدمير سبل العيش وفرض بيئة غير قابلة للحياة يجبر الناس على الهجرة، مما يجعلها ممارسة تهجير قسري محرمة دوليًا.

ويشدد الدكتور عبدو على أن المسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي والدول المعنية بوضع غزة، حيث يجب عليها التدخل لوقف هذه التحركات وتوفير الحماية للسكان. ويؤكد أن احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في السفر والأمان، يجب أن يكون أولوية قصوى.

ويؤكد المرصد على أهمية التحقيق في هذه الادعاءات وتحديد الجهات المسؤولة عن تسهيل هجرة الكفاءات من غزة. ويطالب بوضع آليات واضحة وشفافة لتنظيم حركة الأشخاص عبر معبر رفح، وضمان احترام حقوقهم وحرياتهم.

من المتوقع أن يستمر المرصد الأورومتوسطي في توثيق هذه التحركات وتقديم تقارير مفصلة إلى الجهات الدولية المعنية. كما يخطط لتنظيم حملات توعية حول مخاطر هجرة الكفاءات وتأثيرها على مستقبل غزة. في الوقت نفسه، يبقى الوضع الإنساني والأمني في القطاع غير مستقر، مما يجعل من الصعب التنبؤ بالتطورات المستقبلية.

شاركها.