يشهد أولياء الأمور في جميع أنحاء العالم زيادة ملحوظة في تكاليف التعليم، مع قلق متزايد بشأن استعداد أبنائهم للحياة الواقعية بعد التخرج. ففي مدينة نيويورك على سبيل المثال، يصل متوسط ​​الرسوم الدراسية للمدارس الخاصة الثانوية إلى 27,322 دولارًا أمريكيًا سنويًا، وتتجاوز بعض المدارس المرموقة 70,000 دولارًا. بالإضافة إلى ذلك، تنفق الأسر مبالغ كبيرة على المستلزمات المدرسية والدروس الخصوصية، والتحضير للاختبارات، والأنشطة الإثرائية، والبرامج الصيفية، ولكن على الرغم من هذه الاستثمارات الكبيرة، يجد العديد من الآباء أن أبنائهم يفتقرون إلى المهارات الأساسية اللازمة لمواجهة تحديات الحياة العملية.

تظهر الدراسات أن الطلاب، بغض النظر عن مستواهم الأكاديمي، يواجهون نقصًا في ما يُعرف بـ “المهارات التنفيذية” – وهي القدرات اللازمة لإدارة الوقت، والوفاء بالمواعيد النهائية، والتواصل بفعالية، وحل المشكلات، والتنقل في المواقف اليومية. هذا النقص يثير قلقًا بالغًا بشأن مستقبل الجيل الجديد وقدرته على الاكتفاء الذاتي والنجاح في عالم سريع التغير.

أزمة الاستعداد للحياة في جيل Z

أظهرت دراسة حديثة أن حوالي ثلث طلاب المدارس الثانوية يشعرون بأن تعليمهم الثانوي لم يجهزهم بشكل كافٍ للحياة بعد التخرج، معبرين عن مخاوفهم بشأن التأخر عن الركب، وعدم وجود خطة واضحة، وفقدان الدعم. وتتفق نتائج تقرير صادر عن Gallup مع هذه النتائج، حيث أشار إلى أن أقل من 30٪ من طلاب المدارس الثانوية يشعرون بأنهم “مستعدون تمامًا” لمساراتهم التعليمية والمهنية المستقبلية.

هذه الإحصائيات تعكس أزمة حقيقية في الاستعداد للحياة تواجه طلاب جيل Z. فالضغوط المتزايدة على الطلاب المتفوقين، بما في ذلك زيادة أعباء المناهج الدراسية، والمشاركة في الأنشطة اللامنهجية، والعمل التطوعي، والمشاريع الشخصية الطموحة، غالبًا ما تأتي على حساب تطوير المهارات الحياتية الأساسية.

تأثير المبالغة في التدخل الأبوي

في الماضي، كان يُعتقد أن توفير الدعم الأكاديمي المكثف والرقابة المشددة على أنشطة الطلاب سيضمن نجاحهم. ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى أن هذا النهج، المعروف باسم “التدخل المفرط” أو “التربية بالتحكم”، قد يكون له نتائج عكسية. فبدلاً من تعزيز الاستقلالية والمسؤولية، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الشعور بالعجز والاعتماد على الآخرين.

غالبًا ما يفترض الآباء أن مجرد تزويد أبنائهم بقائمة مهام أو تذكيرهم بالمواعيد النهائية سيحل مشكلة التنظيم وإدارة الوقت. ولكن هذا يتجاهل حقيقة أن العديد من الطلاب يفتقرون إلى الأدوات والمهارات اللازمة لتحويل هذه القوائم إلى أفعال ملموسة. كما أن الدروس الخصوصية والتدريب الأكاديمي لا تعالج بالضرورة أوجه القصور في المهارات الحياتية.

ما الذي يحتاجه الطلاب حقًا؟

قد يتبادر إلى الأذهان أن الحل يكمن في تطوير المناهج الدراسية لتشمل دروسًا في المهارات الحياتية مثل إعداد الميزانية، وكتابة رسائل البريد الإلكتروني الاحترافية، وإدارة الوقت. ومع ذلك، فإن هذا النهج قد لا يكون كافيًا لمعالجة التحديات المتنوعة التي يواجهها الطلاب. فالأسباب وراء نقص الاستعداد تختلف من طالب لآخر.

البعض يحتاج إلى مزيد من الدعم والتوجيه، بينما يحتاج البعض الآخر إلى مساحة أكبر للاستقلالية واتخاذ القرارات. البعض يعاني من ضغوط هائلة، بينما يحتاج البعض الآخر إلى تحديات إضافية لتحفيزهم. لذلك، فإن الحل الفعال يكمن في توفير دعم فردي مصمم خصيصًا لتلبية احتياجات كل طالب.

يتطلب إعداد الطلاب للنجاح في الكلية والحياة ما هو أكثر من مجرد التحضير للاختبارات وبناء قائمة الكليات. يتطلب الأمر مساعدة الطلاب على تطوير مهاراتهم في الدفاع عن أنفسهم، والتخطيط للمستقبل، والتواصل بفعالية، وإدارة التوتر. وهذه الاحتياجات تتغير باستمرار مع نمو الطلاب ونضوجهم.

يشير خبراء التوجيه التعليمي إلى أن الإرشاد الفردي من قبل مرشدين ذوي خبرة، والذين يمكنهم تقديم الدعم والتوجيه اللازمين للطلاب، هو أحد أكثر الطرق فعالية لتعزيز الاستقلالية والثقة بالنفس. وهذا هو السبب في أن العديد من الآباء على استعداد للاستثمار في هذا النوع من الإرشاد، مع إدراكهم أنه استثمار في مستقبل أبنائهم.

لقد شهدتُ بنفسي تحولات مذهلة في الطلاب الذين تلقوا هذا النوع من الدعم، حيث انتقلوا من الخوف من التحدث أمام الجمهور إلى قيادة مجتمعاتهم بثقة، ومن الاعتماد على والديهم في تنظيم مهامهم إلى إدارة مسؤولياتهم المتعددة بسهولة.

في الختام، يتضح أن طلاب اليوم يحتاجون إلى أكثر من مجرد درجات عالية وشهادات مرموقة. إنهم بحاجة إلى إرشاد شخصي لمساعدتهم على تطوير المهارات الحياتية اللازمة ليصبحوا بالغين مستقلين وناجحين. من المتوقع أن يشهد قطاع الإرشاد التعليمي نموًا مطردًا في السنوات القادمة، مع زيادة الوعي بأهمية الاستعداد الشامل للحياة. وما زال من غير الواضح كيف ستستجيب المدارس والجامعات لهذه الحاجة المتزايدة، ولكن من المؤكد أن هذا الموضوع سيظل قيد المناقشة والنقاش في الأوساط التعليمية.

شاركها.