أظهرت البيانات الاقتصادية الأخيرة أن الاقتصاد البريطاني انكمش بنسبة 0.1% في شهر أكتوبر، مما يعكس استمرار التباطؤ ويؤكد المخاوف بشأن الركود المحتمل. يمثل هذا الانكماش الشهر الرابع على التوالي الذي يشهد فيه الاقتصاد البريطاني عدم تحقيق أي نمو، مما يزيد الضغط على الحكومة وبنك إنجلترا لاتخاذ إجراءات مناسبة. جاء هذا التراجع في وقت يسبق إعلان موازنة الخريف، مما ألقى بظلال من عدم اليقين على المشهد الاقتصادي.

أصدر “مكتب الإحصاءات الوطنية” في المملكة المتحدة هذه البيانات، والتي جاءت مخيبة للآمال مقارنة بتوقعات المحللين الذين استطلعتهم “بلومبرغ” بنمو بنسبة 0.1%. أثار هذا الأداء الضعيف تساؤلات حول قدرة الاقتصاد البريطاني على التعافي في الربع الأخير من العام.

أسباب تباطؤ الاقتصاد البريطاني

كان قطاع الخدمات هو المحرك الرئيسي للانكماش، حيث انخفض بنسبة 0.3% في أكتوبر. بالإضافة إلى ذلك، شهد قطاع البناء تراجعًا ملحوظًا بنسبة 0.6%، مما يشير إلى ضعف الاستثمار في هذا المجال. ومع ذلك، قدم قطاع الصناعة بعض الدعم للاقتصاد، حيث شهد نموًا بنسبة 1.1%، مما قلل جزئيًا من الأثر السلبي للتراجع في القطاعات الأخرى.

تأثر الجنيه الإسترليني سلبًا بالبيانات، حيث انخفض بنسبة 0.1% إلى 1.3381 دولار. في المقابل، ارتفعت التوقعات – ولو بشكل طفيف – بشأن احتمال قيام بنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة في العام المقبل، في محاولة لتحفيز النمو الاقتصادي.

تأثير موازنة الخريف

تعتبر موازنة الخريف، التي أعلنت عنها وزيرة الخزانة رايتشل ريفز، نقطة محورية في تحديد مسار الاقتصاد البريطاني. تشير يائيل سيلفين، كبيرة الاقتصاديين لدى “كيه بي إم جي” في المملكة المتحدة، إلى أن حالة عدم اليقين المحيطة بالموازنة قد أثرت سلبًا على النشاط الاقتصادي في نوفمبر. وتتوقع سيلفين نموًا صفريًا في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأخير من العام.

على الرغم من التعافي الجزئي في قطاع تصنيع السيارات بعد حل مشكلة الهجوم الإلكتروني الذي أثر على “جاجوار لاند روفر”، إلا أن هذا التعافي كان محدودًا. أوضحت ليز ماكيوين، مديرة الإحصاءات الاقتصادية في “مكتب الإحصاءات الوطنية”، أن قطاع السيارات لا يزال يعاني من ضعف، وأن التعافي في أكتوبر لم يكن كافيًا لتعويض التراجع الحاد في الشهر السابق.

الضغوط على المستهلكين

أدت التكهنات حول احتمال زيادة الضرائب في موازنة الخريف إلى تراجع ثقة المستهلكين، مما أثر سلبًا على مبيعات التجزئة. فقد لجأ المستهلكون إلى تقليص الإنفاق تحسبًا لارتفاع الأعباء المالية. يمثل الإنفاق الاستهلاكي جزءًا كبيرًا من الاقتصاد البريطاني، حيث يشكل حوالي 60% من إجمالي النشاط الاقتصادي.

على الرغم من أن وزيرة الخزانة تجنبت رفع معدلات ضريبة الدخل، واختارت بدلاً من ذلك تمديد تجميد الحدود الضريبية، إلا أن ارتفاع معدلات البطالة وتآكل المكاسب الحقيقية للأجور قد يستمران في إبقاء سلوك المستهلكين حذرًا في الأشهر المقبلة. هذه العوامل تؤثر على القدرة الشرائية للأسر وتحد من مساهمتها في النمو الاقتصادي.

يرى سكوت غاردنر، استراتيجي الاستثمار في “جيه بي مورغان للاستثمار الشخصي”، أن التكهنات المحيطة بالموازنة ساهمت في تجميد ثقة كل من المستهلكين والشركات. هذا التجميد في الثقة يمكن أن يؤدي إلى تأجيل القرارات الاستثمارية وتراجع الإنفاق، مما يزيد من الضغط على النمو الاقتصادي.

بشكل عام، تشير البيانات إلى أن الاقتصاد البريطاني يواجه تحديات كبيرة، وأن آفاق النمو قصيرة الأجل تبدو ضبابية. من المتوقع أن يجتمع بنك إنجلترا في 18 ديسمبر لمناقشة السياسة النقدية واتخاذ قرار بشأن أسعار الفائدة. سيعتمد هذا القرار على البيانات الاقتصادية الجديدة التي ستصدر في الأيام القليلة المقبلة، وخاصة بيانات التوظيف والتضخم. سيراقب المراقبون عن كثب هذه البيانات لتقييم مدى جدية خطر الركود وتحديد الإجراءات التي قد يتخذها بنك إنجلترا للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي.

شاركها.