انتقد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بشدة تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الشرق الأوسط، توم براك، حول إمكانية ضم لبنان إلى سوريا. جاءت هذه الانتقادات في وقت أكد فيه الجيش اللبناني إحراز تقدم كبير في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، حيث تم إنجاز أكثر من 90% من بنوده، ومن المتوقع إتمام ما تبقى بحلول نهاية العام الحالي. وتثير هذه التطورات تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في المنطقة، وتأثيرها على جهود تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية.

ووصف بري، في لقاء مع وفد من نقابة الصحافة اللبنانية، تصريحات براك بأنها “خطأ كبير وغير مقبول على الإطلاق”، معتبراً أن مثل هذه التصريحات تمثل تهديداً للسيادة اللبنانية. وأشار إلى أن التخاطب مع المسؤولين اللبنانيين بهذه اللغة، خاصة من قبل الدبلوماسيين، أمر غير لائق وغير مقبول.

الانسحاب الإسرائيلي ووضع الجنوب اللبناني

تأتي تصريحات بري في سياق التوترات المستمرة على الحدود الجنوبية للبنان، حيث تتمركز قوات اليونيفيل لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أواخر نوفمبر 2024. وتركز الجهود الحالية على ضمان التزام جميع الأطراف بالاتفاق، وعلى رأسها إسرائيل وحزب الله.

وأكد بري أن لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية تمثل إطاراً تفاوضياً رئيسياً، وأن لبنان يسعى من خلالها إلى تحقيق مطالب أساسية، أبرزها الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية، وانتشار الجيش اللبناني في جميع المناطق الجنوبية، وحصر السلاح في يد الدولة، وتحديداً في منطقة جنوب الليطاني. هذه المطالب تعتبر حجر الزاوية في أي حل دائم للأزمة.

تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والتحديات

وبحسب مصادر رسمية، نفذت الحكومة اللبنانية التزاماتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، حيث نشر الجيش أكثر من 9300 ضابط وجندي في الجنوب بالتعاون مع قوات اليونيفيل. وقد أكدت اليونيفيل في تقاريرها الأخيرة التزام لبنان ببنود الاتفاق. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن إسرائيل خرقت الاتفاق آلاف المرات، مما أثار قلقاً بالغاً بشأن مستقبل الاستقرار في المنطقة.

وأعرب بري عن استغرابه من عدم وجود مساءلة دولية لإسرائيل عن التزاماتها بموجب الاتفاق، مشيراً إلى أن تل أبيب زادت من مساحة احتلالها للأراضي اللبنانية منذ توقيع الاتفاق. هذا الأمر يضع المزيد من الضغوط على الحكومة اللبنانية والجيش لضمان حماية السيادة اللبنانية.

في أغسطس الماضي، أقر مجلس الوزراء اللبناني مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، بما في ذلك سلاح حزب الله، وتكليف الجيش بوضع خطة لتنفيذ هذا القرار بحلول نهاية عام 2025. لكن الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، أكد مراراً أن الحزب لن يتخلى عن سلاحه، مطالباً بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. هذا الخلاف يمثل تحدياً كبيراً أمام تحقيق الاستقرار في لبنان.

يأتي اتفاق وقف إطلاق النار بعد فترة تصعيد بدأت في أكتوبر 2023، وتصاعدت إلى حرب شاملة في سبتمبر 2024، مخلفةً أكثر من 4 آلاف قتيل وأكثر من 17 ألف جريح. وقد أدت هذه الحرب إلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية في الجنوب اللبناني، وتسببت في نزوح عشرات الآلاف من السكان. الوضع الإنساني في المنطقة لا يزال صعباً للغاية.

بالإضافة إلى ذلك، تسببت الخروقات الإسرائيلية المتكررة للاتفاق في مقتل وإصابة مئات اللبنانيين، فضلاً عن احتلال إسرائيل لخمس تلال لبنانية كانت تحت سيطرة حزب الله، ومناطق أخرى تحتلها إسرائيل منذ عقود. هذه الاحتلالات المستمرة تمثل عقبة أمام تحقيق السلام الدائم في المنطقة. وتعتبر قضية الحدود الجنوبية من القضايا المعقدة التي تتطلب حلاً شاملاً ودائماً.

تترافق هذه التطورات مع جهود دبلوماسية مكثفة تبذلها دول مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا، بهدف التوصل إلى حل سياسي للأزمة. وتشمل هذه الجهود محاولات لإعادة إطلاق المفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، وإيجاد صيغة لضمان الاستقرار في الجنوب اللبناني.

من المتوقع أن تشهد الأيام والأسابيع القادمة مزيداً من التطورات في هذا الملف، حيث من المقرر أن يعقد الجيش اللبناني واليونيفيل اجتماعات مشتركة لمناقشة سبل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل. كما من المتوقع أن تستمر الجهود الدبلوماسية لإقناع إسرائيل بالالتزام ببنود الاتفاق، والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة. يبقى الوضع في الجنوب اللبناني هشاً، ويتطلب متابعة دقيقة ومستمرة.

شاركها.