أصدرت الصين مؤخرًا كتابًا أبيض بشأن سياستها النووية، مؤكدةً التزامها بعدم الانخراط في سباق تسلح نووي ومعارضة نشر الصواريخ الهجومية الأمريكية في آسيا. وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والمنافسة المتزايدة مع الولايات المتحدة، خاصة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. يركز الكتاب الأبيض على تطوير القدرات الدفاعية الصينية كعنصر ردع، وليس كتهديد للدول الأخرى، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الردع الصيني واستراتيجية بكين في النظام العالمي.
توضح الوثيقة أن الصين تهدف إلى حماية سيادتها وأمنها من خلال تطوير صواريخ وأنظمة دفاع صاروخي، مع التأكيد على أن هذه القدرات ليست موجهة ضد أي دولة أو منطقة محددة. يأتي هذا البيان في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيدًا عسكريًا أمريكيًا، بما في ذلك دعم بناء غواصات نووية لكوريا الجنوبية، وهو ما أثار اعتراضات صريحة من بكين.
استراتيجية الردع الصيني: تحول نحو التكنولوجيا الناعمة
تدرك الصين أن المنافسة مع الولايات المتحدة تتجاوز المجال العسكري التقليدي، وتمتد لتشمل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وبينما تمتلك الولايات المتحدة تاريخًا طويلًا في التسلح النووي، تسعى الصين إلى بناء قوة ردع تعتمد بشكل متزايد على القدرات التكنولوجية المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، كجزء من استراتيجية أوسع نطاقًا.
الذكاء الاصطناعي كأداة للردع
تعتبر النماذج الصينية في الذكاء الاصطناعي، مثل “R-1” و “Kimi K2″، بمثابة نقلة نوعية في هذا المجال، حيث تتيح للمستخدمين حول العالم تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي مخصصة. هذا التوجه يعزز من نفوذ الصين وقوتها الناعمة، ويساهم في كسر الاحتكار الأمريكي في عالم الذكاء الاصطناعي.
تعتمد القوة الناعمة على التأثير في تفضيلات الآخرين من خلال القيم المشتركة والجاذبية الثقافية والأفكار المقنعة. وفي حين أن القوة الصلبة تعتمد على القوة العسكرية والتهديد باستخدامها، فإن القوة الناعمة تستخدم التكنولوجيا والتعليم والتجارة لتوسيع النفوذ. تستثمر الصين بشكل كبير في هذه المجالات، وتسعى إلى أن تصبح مركزًا عالميًا للابتكار التكنولوجي.
تشير التقارير إلى أن عدد مستخدمي تطبيق “ديب سيك” النشطين قد تضاعف بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، مما يعكس الاهتمام المتزايد بالنماذج الصينية في الذكاء الاصطناعي. وقد أدى ذلك إلى ظهور عدد كبير من التطبيقات المشتقة من نموذج R-1، مما يؤكد على قدرة الصين على المنافسة في هذا المجال الحيوي.
التوترات الإقليمية وتأثيرها على الردع
تأتي هذه التطورات في سياق تصاعد التوترات الإقليمية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا والنزاع في الشرق الأوسط والتوترات في بحر الكاريبي. تستغل الصين هذه الأحداث لتعزيز موقفها التفاوضي مع الولايات المتحدة، وتضغط عليها لتقليل تدخلها في الشؤون الإقليمية.
تعارض الصين بشدة أي محاولات لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وتعتبر أن نشر الصواريخ الهجومية الأمريكية يهدد الأمن الإقليمي. وقد عبرت عن قلقها بشأن الاتفاق بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بشأن بناء غواصات نووية، معتبرةً أنه يمس بالنظام العالمي لمنع الانتشار النووي.
بالإضافة إلى ذلك، تشير بعض التحليلات إلى أن الصين تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا وإيران، بهدف تشكيل تحالف استراتيجي يمكن أن يوازن النفوذ الأمريكي في المنطقة. هذا التحالف قد يغير ميزان القوى في المنطقة، ويؤثر على استراتيجية الردع الصيني.
تعتمد بكين على التقدم التكنولوجي والاقتصادي كأدوات رئيسية لتعزيز نفوذها العالمي. فالاستثمار في الذكاء الاصطناعي والبحث والتطوير في المجالات المتقدمة الأخرى يهدف إلى جعل الصين قوة عظمى قادرة على المنافسة مع الولايات المتحدة على الساحة الدولية. كما أن مبادرة الحزام والطريق، التي تهدف إلى ربط الصين ببقية العالم من خلال شبكة من البنية التحتية، تعتبر جزءًا من هذه الاستراتيجية.
في المقابل، تواجه الولايات المتحدة تحديات داخلية وخارجية، بما في ذلك الديون المتزايدة والتوترات السياسية والاجتماعية. وقد أدى ذلك إلى تراجع نفوذها العالمي، وإلى صعود قوى جديدة مثل الصين.
من المتوقع أن تستمر الصين في تطوير قدراتها الدفاعية والتكنولوجية، وأن تسعى إلى تعزيز نفوذها العالمي. في الوقت نفسه، من المرجح أن تواصل الولايات المتحدة جهودها لاحتواء الصين، والحفاظ على هيمنتها في النظام الدولي.
المستقبل القريب سيشهد على الأرجح مزيدًا من المنافسة بين البلدين، مع التركيز بشكل خاص على مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. سيكون من المهم مراقبة التطورات في هذا المجال، وتقييم تأثيرها على استراتيجية الردع الصيني وعلى ميزان القوى في العالم. كما يجب الانتباه إلى أي تغييرات في السياسة الأمريكية تجاه الصين، وإلى ردود فعل بكين على هذه التغييرات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.






