انتقد سياسيون وصحفيون أمريكيون بشدة الصمت الذي تتبعه الولايات المتحدة حيال استهداف الصحفيين المتزايد في فلسطين ولبنان واليمن، مطالبين بفتح تحقيق شامل ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات. جاءت هذه الانتقادات خلال مؤتمر صحفي مشترك نظمته لجنة حماية الصحفيين (CPJ) ومنظمة العفو الدولية (أمنستي) ومجموعة من أعضاء الكونجرس الأمريكي، حيث سلطوا الضوء على تدهور الأوضاع وارتفاع عدد الضحايا في صفوف الإعلاميين.
وأكد المشاركون في المؤتمر أن إسرائيل لم تحاسب حتى الآن على مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، وهي مواطنة أمريكية، وأن هناك نقصًا ملحوظًا في المساءلة عن مقتل وإصابة 246 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا في مناطق مختلفة خلال العام الماضي، وهو ما وصفوه بأنه أسوأ عام للصحافة على الإطلاق منذ أكثر من ثلاثة عقود. هذا الوضع يثير قلقًا بالغًا بشأن حرية الصحافة وسلامة الصحفيين في مناطق النزاع.
استهداف الصحفيين: دعوات أمريكية للمحاسبة
السيناتور كريس فان هولن، أحد المشاركين في المؤتمر، انتقد بشدة عدم اتخاذ أي إجراءات لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تدعي حماية مواطنيها في الخارج، لكنها تفشل في تطبيق هذا المبدأ في حالة الصحفيين الذين يتعرضون للاستهداف. وأضاف أن تحقيق العدالة للصحفيين حول العالم أمر ضروري لضمان السلام والاستقرار.
واتهمت النائبة بيكا بالينت حكومة بنيامين نتنياهو، واصفة إياها بالمتطرفة، بمواصلة ارتكاب أعمال عنف ضد المدنيين، بما في ذلك الصحفيين، دون أي مساءلة. وطالبت بفتح تحقيق مستقل في الهجوم الذي استهدف صحفيين في جنوب لبنان في أكتوبر 2023، ومحاسبة المسؤولين عنه. هذا الهجوم، وفقًا للتقارير، أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الصحفيين.
شهادات من أرض الواقع
شارك المصور الصحفي ديلين كولنت، الذي يعمل مع وكالة “إيه إف بي”، تجربته الشخصية في الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف مجموعة من الصحفيين في جنوب لبنان في أكتوبر 2023. وأفاد بأنه أصيب في الهجوم الذي أدى إلى مقتل زميله وسام عبد الله، المصور في وكالة رويترز، وإصابة الصحفية كريستين العاصي.
وصف كولنت كيف كانت المجموعة الصحفية تعمل في منطقة واضحة تمامًا، وترتدي سترات واقية للصحفيين، وتحمل علامات تعريف واضحة. وأشار إلى أن المسيرات الإسرائيلية مرت فوقهم عدة مرات قبل الهجوم، مما جعلهم يعتقدون أنهم في أمان. لكنه أكد أن الدبابات الإسرائيلية استهدفتهم بشكل مباشر مرتين خلال 37 ثانية.
وأضاف كولنت أنه بعد إصابة كريستين العاصي، حاول مساعدتها، لكن الدبابة الإسرائيلية فتحت النار عليه لعدة دقائق، في محاولة واضحة لقتله. وأعرب عن خيبة أمله من عدم تجاوب الإدارة الأمريكية مع هذه الحادثة، على الرغم من أن كولنت نفسه مواطن أمريكي.
تأثير الصمت الأمريكي على حرية الصحافة
أثار الصمت الأمريكي الملحوظ حول هذه القضايا تساؤلات حول التزام الولايات المتحدة بحماية حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم. ويرى العديد من المراقبين أن هذا الصمت يشجع على الإفلات من العقاب ويؤدي إلى تفاقم المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون في مناطق النزاع. الصحافة الحرة هي ركيزة أساسية للديمقراطية، وتقييد عمل الصحفيين يضر بالمصلحة العامة.
بالإضافة إلى ذلك، يثير هذا الوضع مخاوف بشأن مصداقية الولايات المتحدة كداعم لحقوق الإنسان وحرية التعبير. فقد يؤدي هذا الموقف إلى تقويض جهودها الدبلوماسية وتأثيرها في المجتمع الدولي. الشفافية والمساءلة هما مفتاح بناء الثقة وتعزيز العلاقات الدولية.
وتشير التقارير إلى أن هناك زيادة ملحوظة في عدد الهجمات على الصحفيين في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك غزة واليمن ولبنان. وتتراوح هذه الهجمات بين القتل والإصابة والاعتقال والتهديد والاعتداء على الممتلكات. هذه الهجمات تمثل تهديدًا خطيرًا لحرية الصحافة وتعيق قدرة الصحفيين على تغطية الأحداث بشكل مستقل وموضوعي.
من المتوقع أن يستمر الضغط على الإدارة الأمريكية لاتخاذ موقف أكثر حزمًا بشأن حماية الصحفيين ومحاسبة المسؤولين عن استهدافهم. كما من المحتمل أن يتم طرح هذه القضية في الكونجرس الأمريكي، وقد يؤدي ذلك إلى اتخاذ إجراءات تشريعية لتعزيز حماية الصحفيين في الخارج. المسألة قيد المتابعة، ومن الضروري مراقبة التطورات القادمة لمعرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتخذ خطوات ملموسة لحماية حرية الصحافة.
في الوقت الحالي، لم تصدر أي ردة فعل رسمية من الحكومة الإسرائيلية على هذه الانتقادات. ومن غير الواضح ما إذا كانت ستوافق على إجراء تحقيق مستقل في هذه الحوادث. يبقى الوضع معلقًا، ويتطلب متابعة دقيقة لضمان تحقيق العدالة للصحفيين الذين تعرضوا للأذى.






