في عالم يزداد فيه حجم المعلومات بشكل مطرد، أطلقت شركة جوجل أداة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي تهدف إلى مساعدة المستخدمين في تنظيم أفكارهم ومعارفهم. هذه الأداة، التي تحمل اسم “نوت بوك إل إم” (NotebookLM)، ليست مجرد تطبيق لتدوين الملاحظات، بل هي مساعد ذكي مصمم لفهم سياق المعلومات التي يجمعها المستخدم، مما يفتح آفاقًا جديدة للبحث والدراسة والإبداع. وتعد هذه التقنية خطوة مهمة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي الشخصية.

أعلنت جوجل عن إطلاق “نوت بوك إل إم” في يوليو 2023، بعد فترة من التطوير تحت اسم “مشروع تلويند” (Project Tailwind) كجزء من فعاليات مؤتمر “جوجل آي أو” (Google I/O). الهدف الرئيسي من وراء هذه الأداة هو تمكين المستخدمين من التعامل بكفاءة مع كميات هائلة من المعلومات، وتحويلها إلى معرفة قابلة للاستخدام. وفي نوفمبر 2024، وسعت جوجل نطاق الوصول إلى الأداة لتشمل المستخدمين دون سن الثامنة عشرة، مما يعزز دورها في البيئة التعليمية.

ما هو “نوت بوك إل إم” وكيف يعمل؟

يعتمد “نوت بوك إل إم” على نموذج لغوي كبير (Large Language Model) يسمى “جيميني 1.5” (Gemini 1.5). ما يميزه عن غيره من النماذج هو تركيزه على المصادر التي يضيفها المستخدم بنفسه. بدلاً من الاعتماد على قاعدة بيانات عامة، يقوم “نوت بوك إل إم” ببناء فهمه للمعلومات بناءً على المستندات وملفات PDF وعروض جوجل التقديمية ومقاطع فيديو يوتيوب التي يرفعها المستخدم. وهذا يجعله بمثابة خبير ذكاء اصطناعي مخصص لبياناتك الخاصة.

تعمل الأداة عن طريق تحليل هذه المصادر وفهم العلاقات بينها. يمكن للمستخدمين بعد ذلك طرح أسئلة على “نوت بوك إل إم” حول هذه المصادر، وستقوم الأداة بتقديم إجابات مستندة إلى المعلومات التي تم تحميلها. كما يمكنها إنشاء ملخصات، واقتراح أفكار جديدة، والمساعدة في كتابة التقارير والأوراق البحثية. وتوفر الأداة ميزة “النظرات العامة الصوتية” (Audio Overviews) التي تحول المحتوى إلى مراجعات صوتية شبيهة بالبودكاست.

مصادر المعلومات المدعومة

في البداية، كان “نوت بوك إل إم” يدعم تحميل مستندات جوجل وملفات PDF والنصوص. ولكن، مع التحديثات الأخيرة، أصبحت الأداة قادرة على التعامل مع مجموعة أوسع من المصادر، بما في ذلك عروض جوجل التقديمية ومواقع الويب (عبر عناوين URL) ومقاطع فيديو يوتيوب وملفات الصوت. يسمح النظام حاليًا بتحميل ما يصل إلى 50 مصدرًا، بحد أقصى 500 ألف كلمة لكل مصدر.

“نوت بوك إل إم” والتعلم: مستقبل واعد

يمثل إتاحة “نوت بوك إل إم” للمستخدمين دون سن الثامنة عشرة خطوة مهمة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم. يمكن للطلاب استخدام الأداة لتنظيم ملاحظاتهم، وفهم المواد الدراسية بشكل أفضل، وإعداد الأبحاث والتقارير. كما يمكن للمعلمين استخدام الأداة لإنشاء “جواهر” (Gems) مخصصة، وهي أدوات تعليمية صغيرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ومشاركتها مع الطلاب. وهذا يخلق بيئة تعليمية تفاعلية وشخصية.

تتيح هذه التقنية للطلاب الوصول إلى أدوات دراسية متقدمة، مثل المراجعات الصوتية، التي يمكن أن تساعدهم في استيعاب المعلومات بشكل أسرع وأكثر فعالية. كما يمكن أن تساعدهم في تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات. ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن “نوت بوك إل إم” هو أداة مساعدة، ولا ينبغي أن يحل محل دور المعلم أو الطالب في عملية التعلم.

كيفية إدارة الملاحظات بكفاءة

يوفر “نوت بوك إل إم” نظامًا بسيطًا وفعالًا لإدارة الملاحظات. يمكن للمستخدمين حفظ الإجابات المهمة والاقتباسات من المصادر التي تم تحميلها، وكتابة ملاحظاتهم الشخصية. كما يمكنهم تنظيم الملاحظات في مجلدات، والبحث عنها بسهولة. وتسمح ميزة “سيف تو نوت” (Save to Note) بتجميع المعلومات ذات الصلة في مكان واحد، مما يسهل الرجوع إليها لاحقًا.

هل “نوت بوك إل إم” مثالي؟

على الرغم من الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها “نوت بوك إل إم”، إلا أنه ليس مثاليًا. مثل أي نموذج ذكاء اصطناعي، يمكن أن يرتكب الأداة أخطاء أو يقدم معلومات غير دقيقة. لذلك، من المهم دائمًا التحقق من دقة الإجابات التي تقدمها الأداة، ومقارنتها بالمصادر الأصلية. كما أن الأداة لا تزال في مرحلة التطوير، وقد تتضمن بعض الأخطاء أو المشكلات التقنية.

أكدت جوجل على أن “نوت بوك إل إم” هو نظام “مغلق”، أي أنه لا يجري أي عمليات بحث على الإنترنت. بدلاً من ذلك، يعتمد على المعلومات التي يضيفها المستخدم. وهذا يقلل من خطر تقديم معلومات خاطئة أو مضللة، ولكنه يعني أيضًا أن الأداة لا يمكنها الوصول إلى أحدث المعلومات أو التطورات في مجال معين.

في الختام، يمثل “نوت بوك إل إم” خطوة واعدة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي الشخصية. من المتوقع أن تستمر جوجل في تطوير الأداة وتحسينها، وإضافة ميزات جديدة. ومن المرجح أن نشهد في المستقبل القريب المزيد من التطبيقات المبتكرة لهذه التقنية في مجالات التعليم والبحث والعمل. يبقى السؤال حول مدى تأثير هذه الأدوات على عملية التعلم والتفكير النقدي، وهو ما يستحق المتابعة والتحليل.

شاركها.