واصل بنك الشعب الصيني تعزيز احتياطياته من الذهب للشهر الثالث عشر على التوالي، مما يعكس اتجاهاً عالمياً متزايداً نحو تنويع الاحتياطيات النقدية. ووفقاً لبيانات رسمية صدرت يوم الأحد، ارتفعت حيازة البنك المركزي الصيني من الذهب بحوالي 30 ألف أونصة خلال الشهر الماضي، ليصل إجمالي الاحتياطي إلى 74.12 مليون أونصة. ويأتي هذا التوجه في ظل تقلبات الأسواق العالمية وتزايد المخاوف بشأن مستقبل العملات الورقية.

بدأ بنك الشعب الصيني دورة الشراء الحالية في نوفمبر 2024، وتعتبر هذه الزيادات المستمرة في حيازة الذهب دليلاً على استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي وتعزيز مكانة الصين كقوة اقتصادية عالمية. تزامن ذلك مع استقرار سعر الذهب فوق مستوى 4000 دولار للأونصة، على الرغم من تراجعه عن قمته في أكتوبر، متوقعاً تحقيق أفضل أداء سنوي منذ عام 1979.

زيادة الإقبال على الذهب وتأثيرها على الأسواق

لا يقتصر الأمر على الصين، حيث تشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى أن البنوك المركزية حول العالم كثفت مشترياتها من الذهب في شهر أكتوبر بعد فترة من الهدوء النسبي. ويعزى هذا الإقبال المتزايد إلى عدة عوامل، أبرزها الرغبة في التحوط من مخاطر تقلبات أسعار الصرف، وخاصةً تقلبات الدولار الأمريكي.

أسباب تنويع الاحتياطيات

أدت الحرب في أوكرانيا وتجميد أصول روسيا من الاحتياطيات الأجنبية إلى زيادة وعي الدول بأهمية تنويع احتياطياتها بعيدًا عن الاعتماد الكلي على عملة واحدة. ويعتبر الذهب ملاذاً آمناً تقليدياً في أوقات الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية، مما يجعله خيارًا جذابًا للبنوك المركزية.

علاوة على ذلك، تعد الصين بنية تحتية متطورة لتخزين الذهب، وهذا ما يجذب البنوك المركزية الأخرى لعرض خدمات تخزين احتياطياتها من الذهب داخل أراضيها. وقد استجابت بالفعل بعض الدول، مثل كمبوديا، لهذا العرض، في إطار سعي الصين لتعزيز نفوذها المالي في النظام العالمي.

المحللون يشيرون إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قد دفع بعض المستثمرين إلى البحث عن بدائل استثمارية، مما أدى إلى زيادة الطلب على الذهب. بالإضافة إلى ذلك، فإن توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في المستقبل القريب تعزز جاذبية الذهب كأصل لا يدر دخلاً.

تأثير التوترات الجيوسياسية على أسعار الذهب

تصاعد التوترات الجيوسياسية في مناطق مختلفة من العالم، مثل الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، يزيد من الطلب على الذهب كملاذ آمن. ففي أوقات عدم اليقين، يميل المستثمرون إلى اللجوء إلى الأصول التي تحتفظ بقيمتها، مثل الذهب، لحماية ثرواتهم.

يعتبر الذهب أيضاً تحوطاً ضد التضخم. ففي ظل ارتفاع معدلات التضخم، يميل المستثمرون إلى شراء الذهب للحفاظ على القوة الشرائية لأموالهم. في السنوات الأخيرة، شهد العالم ارتفاعاً في معدلات التضخم، مما ساهم في زيادة الطلب على الذهب وارتفاع أسعاره.

بالتزامن مع ذلك، هناك اهتمام متزايد بالعملات الرقمية، مثل البيتكوين، كبديل للذهب. ومع ذلك، لا يزال الذهب يعتبر خيارًا أكثر استقرارًا وموثوقية بالنسبة للعديد من المستثمرين والبنوك المركزية.

يُذكر أن أسعار الفائدة تلعب دورًا هامًا في تحديد جاذبية الذهب. عندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة، يصبح الذهب أقل جاذبية نسبياً، حيث يمكن للمستثمرين تحقيق عوائد أعلى من خلال الاستثمار في السندات والأصول الأخرى التي تدر دخلاً. في المقابل، عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، يزداد الطلب على الذهب.

وتشير التوقعات إلى أن البنوك المركزية ستواصل شراء الذهب في الأشهر والسنوات القادمة. وسيدعم هذا الطلب المستمر أسعار الذهب، على الرغم من التقلبات المحتملة في الأسواق المالية العالمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار التوترات الجيوسياسية وارتفاع معدلات التضخم من المرجح أن يعزز جاذبية الذهب كملاذ آمن.

من المتوقع أن يعقد مجلس الاحتياطي الفيدرالي اجتماعه في 9 و10 ديسمبر لمناقشة مسار أسعار الفائدة. وستكون قرارات هذا الاجتماع حاسمة في تحديد اتجاه أسعار الذهب في المدى القصير. كما من المهم مراقبة التطورات الجيوسياسية ومعدلات التضخم، حيث يمكن أن تؤثر هذه العوامل بشكل كبير على أسعار الذهب.

شاركها.