حذرت الإدارة الأمريكية في استراتيجيتها الوطنية للأمن، والتي صدرت مؤخرًا، من أن أوروبا قد تشهد تغييرات جذرية خلال العقدين القادمين بسبب الهجرة الجماعية، مما يثير تساؤلات حول موثوقية الحلفاء الأوروبيين في المستقبل. وأشارت الوثيقة المكونة من 33 صفحة إلى أن الاتجاهات الحالية قد تجعل القارة “غير قابلة للتعرف عليها” بحلول عام 2044، مع وجود “احتمال حقيقي ومؤلم” يتمثل في “محو الحضارة”.

تأثيرات الهجرة الجماعية على مستقبل أوروبا

تعتبر الهجرة الجماعية قضية سياسية ساخنة في أوروبا منذ أكثر من عقد، حيث شهدت القارة موجات متتالية من المهاجرين من مناطق مختلفة في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا. وتأتي هذه التحذيرات الأمريكية في وقت تواجه فيه العديد من الدول الأوروبية تحديات ديموغرافية واقتصادية واجتماعية معقدة.

وبحسب الوثيقة، فإن الحالة الراهنة تثير مخاوف بشأن قدرة بعض الدول الأوروبية على الحفاظ على اقتصاداتها وقدراتها العسكرية اللازمة لتكون حلفاء موثوقين. كما أعربت عن قلقها من تراجع معدلات المواليد وتآكل الهوية الوطنية، مما قد يضعف أوروبا أمام التحديات الجيوسياسية.

تداعيات على حلف الناتو

أشارت الاستراتيجية الأمنية إلى أن التغيرات الديموغرافية قد يكون لها تداعيات كبيرة على حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتشير التقديرات إلى أن بعض الدول الأعضاء في الناتو قد تصبح ذات أغلبية غير أوروبية في غضون العقود القليلة المقبلة، مما يثير تساؤلات حول التزامها بالحلف وأهدافه.

وتساءلت الوثيقة عما إذا كانت هذه الدول ستنظر إلى مكانتها في العالم أو تحالفها مع الولايات المتحدة بنفس الطريقة التي كانت عليها عند توقيع ميثاق الناتو. وبحسب الإدارة الأمريكية، فإن التحديات الاقتصادية التي تواجهها أوروبا، بما في ذلك انخفاض حصتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 25% في عام 1990 إلى 14% اليوم، تفاقم بسبب اللوائح التنظيمية التي تعيق الإبداع والإنتاجية.

تأكيد على مبدأ مونرو وتعديله

بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بأوروبا، أكدت الإدارة الأمريكية التزامها بمبدأ مونرو، الذي يهدف إلى منع التدخل الخارجي في شؤون أمريكا اللاتينية. ومع ذلك، أعلنت عن إضافة “تعديل ترامب” لهذا المبدأ، يهدف إلى توسيع النفوذ الأمريكي في المنطقة ومواجهة النفوذ المتزايد للدول المنافسة.

ويهدف هذا التعديل إلى “فرض” مبدأ مونرو مرة أخرى، بعد سنوات من الإهمال، من أجل استعادة الهيمنة الأمريكية في نصف الكرة الغربي وحماية المصالح الأمريكية. وترى الإدارة الأمريكية أن وجود حكومات مستقرة في المنطقة وتتعاون لمكافحة التأثيرات الخارجية الضارة أمر أساسي للأمن القومي الأمريكي.

وقد دافعت متحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، عن التحذيرات الواردة في الاستراتيجية، مشيرة إلى أن أوروبا تعاني بالفعل من عواقب الهجرة الجماعية. وأضافت أن هذه السياسات قد أدت إلى تفاقم العنف وزيادة الجريمة، بالإضافة إلى إجهاد برامج الرعاية الاجتماعية. وشددت على أن سياسات الحدود التي اتبعتها إدارة ترامب “أنقذت أمريكا من هذا الدمار”، وأن بلدانًا أخرى يجب أن تحذو حذوها.

واستشهد البيت الأبيض بمجموعة من البيانات الأوروبية لدعم هذه المخاوف، بما في ذلك دراسات تُظهر تكلفة الهجرة إلى هولندا بأكثر من 475 ألف يورو لكل مهاجر، وتكاليف الهجرة غير الشرعية إلى فرنسا بلغت 1.8 مليار يورو في عام 2023. كما أشار إلى ارتفاع معدلات الجريمة التي يرتكبها المهاجرون غير الغربيين في الدنمارك وألمانيا، بالإضافة إلى العديد من الهجمات الإرهابية التي نفذها مهاجرون في القارة.

في سياق متصل، سبق للرئيس السابق دونالد ترامب أن أطلق تحذيرات مماثلة خلال زيارته للمملكة المتحدة العام الماضي، حيث قال إن الهجرة الجماعية “ستدمر أوروبا” وأن القارة “لن تنجو” ما لم تغير الحكومات مسارها بشكل جذري.

من المرجح أن تثير هذه الاستراتيجية الوطنية الأمريكية جدلاً واسعاً في أوروبا والولايات المتحدة. الخطوات التالية ستشمل مناقشات بين المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين حول هذه المخاوف، وتقييم تأثير هذه السياسات على العلاقات عبر الأطلسي. سيراقب المراقبون عن كثب أي تغييرات في السياسات الأوروبية المتعلقة بالهجرة، وأي تطورات في الوضع الاقتصادي والأمني في القارة.

شاركها.