أعلنت مجموعة الخضر الأوروبية، خلال مؤتمرها الأربعين في لشبونة، عن تصاعد في حدة الخلاف مع حزب الشعب الأوروبي (EPP)، واصفة إياه بأنه “العدو الأول”. يأتي هذا الإعلان في ظل تراجع الاهتمام بـالأجندة المناخية في أوروبا بعد جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وتزايد التركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية. وقد أثار هذا الموقف تساؤلات حول مستقبل التحالفات السياسية في البرلمان الأوروبي.

الاجتماع الذي عُقد في العاصمة البرتغالية لشبونة، وشهد حضور العديد من الشخصيات البارزة، سلط الضوء على استياء متزايد لدى الخضر من التعاون المتكرر لحزب الشعب الأوروبي مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، خاصة في مجالات حساسة مثل الهجرة والحقوق الاجتماعية. وعلى الرغم من هذا الاستياء، يبدو أن الخضر يميلون حاليًا إلى استمرار التحالف مع حزب الشعب الأوروبي، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات.

الخضر الأوروبية وتصاعد التوتر حول الأجندة المناخية

يعكس هذا التحول في موقف الخضر الأوروبية تغيرًا أوسع في الأولويات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي. فبعد سنوات من الضغط من أجل سياسات مناخية طموحة، تواجه هذه السياسات مقاومة متزايدة بسبب المخاوف الاقتصادية وتأثيرات الحرب في أوكرانيا على أسعار الطاقة. ويقول مراقبون إن حزب الشعب الأوروبي، كونه أكبر مجموعة برلمانية في البرلمان الأوروبي، يمثل قوة رئيسية في تشكيل هذه الأولويات.

الخلافات حول الهجرة والحقوق الاجتماعية

ركزت انتقادات الخضر الأوروبية بشكل خاص على مواقف حزب الشعب الأوروبي فيما يتعلق بقوانين الهجرة. ففي العديد من الحالات، تعاون الحزب مع الأحزاب اليمينية المتطرفة لتمرير قوانين تهدف إلى تقييد الهجرة وتشديد الرقابة على الحدود، وهو ما يعتبره الخضر انتهاكًا للمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، انتقد الخضر الأوروبيون حزب الشعب الأوروبي بسبب ما يرونه على أنه تقويض للحقوق الاجتماعية، مثل حقوق العمال والإسكان.

ووفقًا لبيانات صادر عن البرلمان الأوروبي، فقد صوتت مجموعة الخضر في عدة مناسبات ضد مقترحات مدعومة من حزب الشعب الأوروبي بسبب مخاوف تتعلق بالحقوق الاجتماعية والبيئة. ومع ذلك، فقد كانت الخضر حريصة في الوقت نفسه على الحفاظ على تحالفها مع حزب الشعب الأوروبي في القضايا الأخرى، مثل الدعم المالي لأوكرانيا.

الصراع في الشرق الأوسط كعامل إضافي للتوتر

شكل الصراع في الشرق الأوسط أيضًا نقطة خلاف رئيسية بين الخضر الأوروبية وحزب الشعب الأوروبي. إذ اتهم الخضر الحزب الأخير بالتحيز تجاه إسرائيل وعدم إدانة الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين. ويرى الخضر أن موقف حزب الشعب الأوروبي هذا يتعارض مع القيم الأوروبية الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان والعدالة.

من ناحية أخرى، يرى أنصار حزب الشعب الأوروبي أن الحزب يتبنى موقفًا متوازنًا في الصراع، ويعترف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع التأكيد على ضرورة إيجاد حل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وتعقيد هذه القضية يجعل من الصعب على الطرفين الوصول إلى توافق في الآراء.

الجدير بالذكر أن هذا التوتر يأتي في وقت يشهد فيه الاتحاد الأوروبي استقطابًا سياسيًا متزايدًا، مع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في العديد من الدول الأعضاء. ويقول محللون سياسيون إن هذا الاستقطاب قد يجعل من الصعب على الخضر الأوروبية تحقيق أهدافها المتعلقة بـالتحول الأخضر وتعزيز العدالة الاجتماعية.

كما أن هذه التطورات تؤثر على ديناميكيات التحالفات المحتملة بعد انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة، المقرر إجراؤها في يونيو 2024. فمن غير الواضح ما إذا كان الخضر الأوروبيون سيستمرون في التحالف مع حزب الشعب الأوروبي، أم سيسعون إلى إيجاد تحالفات جديدة مع قوى سياسية أخرى.

السياسات المناخية خلال الفترة القادمة تتطلب تعاونًا واسع النطاق بين مختلف القوى السياسية في البرلمان الأوروبي. ومع ذلك، فإن تصاعد التوتر بين الخضر الأوروبية وحزب الشعب الأوروبي قد يعيق هذا التعاون ويجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي تحقيق أهدافه المناخية. وتشير بعض التقارير إلى أن هناك محاولات جارية من قبل أطراف ثالثة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، لكن هذه المحاولات لم تحقق حتى الآن نتائج ملموسة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مستقبل العمل المناخي في أوروبا يعتمد إلى حد كبير على نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة. فإذا تمكنت الأحزاب اليمينية المتطرفة من زيادة تمثيلها في البرلمان، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض السياسات المناخية الطموحة التي يتبناها الخضر الأوروبيون.

في الختام، من المتوقع أن يشهد البرلمان الأوروبي في الأشهر المقبلة مناقشات حادة حول مستقبل الاستدامة البيئية والتحالفات السياسية. وسيكون من المهم لمراقبة التطورات الجارية وتقييم تأثيرها على الأجندة المناخية في أوروبا، مع الأخذ في الاعتبار أن الاستقرار السياسي والتعاون الدولي هما مفتاح تحقيق التقدم في هذا المجال.

شاركها.