تعد شركة “بالانتير” (Palantir) من أبرز الشركات التقنية الأمريكية المثيرة للجدل، وذلك لارتباطها الوثيق بتطوير تقنيات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لصالح المؤسسات الحكومية والعسكرية. وقد أثارت هذه الشراكات، وخاصةً تلك المتعلقة بالعمليات الأمنية ومراقبة البيانات، تساؤلات واسعة حول الخصوصية والأخلاق المرتبطة باستخدام التكنولوجيا في هذه المجالات. تسعى هذه المقالة إلى استكشاف ماهية “بالانتير” وأوجه عملها، وكيف تطورت لتصبح لاعباً رئيسياً في قطاع تكنولوجيا المعلومات الحكومية.

من يقف وراء شركة بالانتير؟

تأسست “بالانتير” عام 2003 على يد بيتر ثيل، أحد المؤسسين المشاركين لشركة “باي بال” (PayPal). بعد بيع حصته في “باي بال”، بحث ثيل عن فرص استثمارية جديدة وركز على إمكانات تحليل البيانات. انضم إليه في هذا المسعى أليكس كارب، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي للشركة منذ عام 2005، بالإضافة إلى ستيفن كوهين وجو لونسديل وناثان جيتينجز، وهم أيضاً من رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا المالية.

يُعرف ثيل بدعمه القوي للحكومة الأمريكية وعلاقاته الوثيقة مع المسؤولين في الإدارات المتعاقبة، مما ساهم في حصول “بالانتير” على عقود حكومية كبيرة. ومن بين هذه العقود عقد لتطوير منصة لتتبع تحركات المهاجرين، وآخر لبناء قاعدة بيانات رئيسية لدعم عمليات الترحيل. علاقاته تلك امتدت ليشمل الوصول المباشر للبيت الأبيض في عهد الرئيس دونالد ترامب.

تاريخياً، ارتبط اسم “بالانتير” باتهامات تتعلق بانتهاك الخصوصية والتعاون في برامج مراقبة واسعة النطاق. ففي عام 2017، اتهمه إدوارد سنودن بالتعاون مع برنامج “إكس كيه إي يو سكور” (XKEYSCORE) التابع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) لتحليل البيانات بشكل غير قانوني، وفقاً لتقرير نشره موقع “أكسيوس”. كما كشفت تقارير أخرى عن استثمارات كبيرة من جيفري إبستين في شركة استثمارية مرتبطة بـ ثيل، والتي استثمرت بدورها في “بالانتير”.

ماذا تعمل شركة بالانتير؟

تصف ليندا شيا، المهندسة السابقة في “بالانتير”، عمل الشركة بأنه “صعب التفسير المتماسك”، مشيرةً إلى تعقيد وتشعب مجالات عملها. بعيداً عن كونها مجرد شركة بيانات، تقدم “بالانتير” برمجيات متخصصة تهدف إلى جمع وتحليل البيانات من مصادر متنوعة، وربطها ببعضها البعض لخلق رؤى استخباراتية قيّمة لعملائها.

تتميز “بالانتير” بنهج فريد من نوعه في السوق، حيث تركز على تقديم حلول مخصصة للمؤسسات الكبيرة والجهات الحكومية بدلاً من استهداف المستخدمين الأفراد. تعتمد الشركة على برمجيتين رئيسيتين: “فاوندري” (Foundry) و”غوثام” (Gotham).

يهدف برنامج “فاوندري” إلى مساعدة الشركات المدنية في دمج بياناتها المختلفة وتحليلها لتحسين الكفاءة واتخاذ القرارات الاستراتيجية. بينما يركز برنامج “غوثام” على توفير أدوات تحليل البيانات لقطاعات الأمن والاستخبارات، مما يمكنها من تتبع التهديدات المحتملة وتحديد الأنماط المشبوهة.

تستطيع برمجيات “بالانتير” التكامل مع أي نظام بيانات موجود، بغض النظر عن قدمه أو تعقيده، دون الحاجة إلى إجراء تعديلات كبيرة على البنية التحتية الحالية. وهذا يوفر على عملائها الكثير من الوقت والمال.

تطور بالانتير نحو الذكاء الاصطناعي

في السنوات الأخيرة، زادت “بالانتير” من استثماراتها في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) لتطوير قدرات جديدة لبرمجياتها. وقد أعلنت الشركة عن تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متخصصة في تحليل الصور ومقاطع الفيديو، وكذلك في معالجة اللغة الطبيعية. تهدف هذه التطورات إلى تعزيز قدرات “بالانتير” في مجالات مثل المراقبة والاستخبارات، وتحسين دقة التنبؤات والتحليلات.

الجدل الدائر حول بالانتير ووجهة نظرها تجاه غزة

تُعد “بالانتير” من بين الشركات التي واجهت انتقادات شديدة بسبب دورها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فقد افتخر بيتر ثيل علناً بدعم شركته لإسرائيل، واصفاً ما يقوم به الجيش الإسرائيلي بأنه “صحيح بشكل عام”.

وفي مايو 2024، أعلن ثيل عن استخدام نموذج “لافندر” (Lavender) للذكاء الاصطناعي، الذي طورته “بالانتير”، في عمليات استهداف في قطاع غزة. أثار هذا الإعلان موجة من الغضب والاستياء، حيث اتهمت العديد من المنظمات الحقوقية “بالانتير” بتوفير أدوات يمكن أن تستخدم لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

تستمر “بالانتير” في الإعلان عن شراكتها الاستراتيجية مع وزارة الدفاع الإسرائيلية، وتوفيرها بتقنيات متطورة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات. في الوقت نفسه، تدافع الشركة عن عملها، مؤكدةً أنها تهدف إلى مساعدة عملائها في حماية أمنهم القومي.

من المتوقع أن تستمر المناقشات حول دور “بالانتير” في الصراعات الجيوسياسية، وتأثير تقنياتها على الخصوصية وحقوق الإنسان. ما زالت الشركة تواجه تحديات قانونية وأخلاقية كبيرة، ويتعين عليها إيجاد طرق لتوازين بين مصالحها التجارية والتزاماتها الاجتماعية.

شاركها.