أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جدلاً واسعًا حول الاسم المناسب لرياضة كرة القدم في الولايات المتحدة، مؤكدًا أن تسميتها بـ “كرة القدم” هي الأنسب، وأن استخدام كلمة “سوكّر” هو أمر غير منطقي. جاءت تصريحات ترامب خلال حفل سحب قرعة كأس العالم 2026 في واشنطن العاصمة، حيث كُرّم بـ “أول فائز” بجائزة السلام التابعة للفيفا. هذه التصريحات أعادت إلى الواجهة نقاشًا قديمًا حول أصول تسمية اللعبة، وتحديدًا في أمريكا الشمالية.

جدل تسمية كرة القدم: لماذا “سوكّر” في أمريكا؟

أعرب ترامب عن استغرابه من استخدام مصطلح “سوكّر” في الولايات المتحدة، خاصةً بالنظر إلى وجود رياضة أخرى تحمل اسم “كرة القدم” الأمريكية (football). وتساءل عما إذا كان يجب إيجاد اسم جديد للعبة كرة القدم الأمريكية لتجنب هذا الخلط. وقد لاقت تصريحاته استحسانًا كبيرًا من الحضور، بمن فيهم رئيس الفيفا جياني إنفانتينو، الذي شجّع التصفيق.

لطالما كانت تسمية اللعبة موضوع نقاش، وغالبًا ما يُلقى اللوم على الولايات المتحدة في تغيير الاسم الأصلي. لكن أحدث الأبحاث، وفقًا للأستاذ ستيفان سزيمانسكي من جامعة ميشيغان، تشير إلى أن أصول هذا التغيير تعود إلى إنجلترا نفسها.

الأصول التاريخية للتمييز بين “كرة القدم” و “الرجبي”

في أوائل القرن التاسع عشر، كانت “كرة القدم” و “الرجبي” مجرد اختلافات في نفس الرياضة في إنجلترا. وكانت القواعد غير رسمية وتتغير باستمرار حسب المجموعات التي تمارس اللعبة. في عام 1863، تأسست جمعية كرة القدم (The Football Association) لوضع القواعد الرسمية الأولى للعبة، بهدف تنظيم المباريات بين المدارس الأرستقراطية.

لاحقًا، في عام 1871، تأسست اتحاد الرجبي لكرة القدم (Rugby Football Union) لتنظيم قواعد لعبة الرجبي. هذا التأسيس أدى إلى تقسيم اللعبة بشكل رسمي إلى نسختين منفصلتين. ومع ذلك، ولّد هذا الوضع ارتباكًا بين اللاعبين، مما استدعى ظهور مصطلحات جديدة لتمييز اللعبتين. وفقًا لما ذكره سزيمانسكي، بدأ الطلاب في استخدام لاحقة “-er” مع أسماء الرياضات، مما أدى إلى تسمية الرجبي بـ “rugger” وكرة القدم بـ “soccer”.

يستشهد سزيمانسكي برسالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز عام 1905، توضح أن مصطلح “سوكّر” نشأ كطريقة غير رسمية للإشارة إلى “Association Football” نظرًا لصعوبة نطق كلمة “Association” مع لاحقة “-er”.

تأثير الحرب العالمية وتغير العلاقات بين أمريكا وبريطانيا

انتشر مصطلح “سوكّر” بشكل أكبر خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كانت القوات الأمريكية متمركزة في أوروبا. ومع ذلك، كان تبني هذا المصطلح يتأثر بتقلبات “العلاقات الخاصة” بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وفقًا لدراسة نشرتها جامعة إدنبرة عام 2015، شهدت فترة السبعينيات تراجعًا في هذه العلاقات، تزامن مع تنامي العزلة الأمريكية وتراجع النفوذ البريطاني عالميًا، مما أثر على شعبية مصطلح “سوكّر”.

في المقابل، بدأت بريطانيا العظمى في الابتعاد عن استخدام كلمة “سوكّر” نفسها، معتبرةً إياها بديلاً غير رسميًا لكلمة “كرة القدم” الأصلية. أما في أمريكا الشمالية، فقد استقر استخدام مصطلح “سوكّر” للإشارة إلى اللعبة المعروفة عالميًا باسم كرة القدم.

استخدام “كرة القدم” و “سوكّر”: نظرة عالمية

اليوم، يُستخدم مصطلح “سوكّر” بشكل شائع في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وهي دول تضم جميعها رياضة أخرى تُعرف باسم “كرة القدم”. في عام 1892، أُقيمت أول مباراة رسمية لكرة القدم الأمريكية، وفقًا لقاعة مشاهير كرة القدم المحترفة (Pro Football Hall of Fame). أما في بقية العالم، فما زال مصطلح “كرة القدم” هو السائد.

من المرجح أن يستمر هذا الجدل اللغوي، حيث يربط الكثيرون الاسم بالهوية الثقافية والرياضية لكل بلد. لا توجد مؤشرات حالية على أن الولايات المتحدة ستتبنى اسم “كرة القدم” رسميًا، أو أن بريطانيا ستعود إلى استخدام “سوكّر” بشكل واسع.

بالنظر إلى استضافة الولايات المتحدة وكندا والمكسيك لكأس العالم 2026، فمن المتوقع أن يشهد الاهتمام برياضة كرة القدم (سواء باسمها “سوكّر” أو “كرة القدم”) ارتفاعًا كبيرًا في أمريكا الشمالية. سيتوقف مستقبل التسمية على كيفية تفاعل الجماهير واللاعبين ووسائل الإعلام مع اللعبة خلال السنوات القادمة. من المهم مراقبة التغطية الإعلامية والاستطلاعات التي قد تعكس الرأي العام حول هذا الموضوع في المستقبل القريب.

شاركها.