تواجه فرنسا جدلاً سياسياً متصاعداً حول مقترح الرئيس إيمانويل ماكرون لإنشاء نظام “شهادات” لوسائل الإعلام الموثوقة. وقد أُثيرت اتهامات بالتوجه نحو الاستبداد بعد تحريف تصريحاته من قبل المعلقين السياسيين ووسائل الإعلام، مما أدى إلى رد فعل قوي من مختلف الأطراف. يركز الجدل الدائر على مفهوم مصداقية وسائل الإعلام وكيفية ضمانها في عصر المعلومات.

بدأت الأزمة بنشر صحيفة “Journal du Dimanche” المملوكة لرجل الأعمال فينسنت بولوريه، لتقرير على صفحتها الأولى في 30 نوفمبر، زعمت فيه أن ماكرون يسعى إلى “السيطرة على وسائل الإعلام”. لاحقاً، انضم المعلق السياسي اليميني باسكال برود، الذي يعمل في قنوات CNews و Europe 1 المملوكتين أيضاً لبولوريه، إلى هذا الخطاب، مشيراً إلى “الإغراء السلطوي” للرئيس ورغبته في فرض “رواية واحدة”.

الخلاف حول شهادات مصداقية وسائل الإعلام

تعود جذور الجدل إلى سلسلة من التصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي خلال لقاء مع قراء صحيفة “La Voix du Nord” المحلية في 19 نوفمبر. عندما سُئل عن خطط الحكومة لمكافحة الأخبار الكاذبة على الإنترنت، أكد ماكرون على أهمية التمييز بين “مواقع الأخبار” و “الشبكات والمواقع التي تحقق أرباحاً من الإعلانات”.

في هذا السياق، طرح ماكرون فكرة “الشهادة”. وأوضح أنه يجب أن تكون هناك “عملية اعتماد تجريها جهات مهنية، يمكنها أن تقول ‘هذا لا يتوافق مع المعايير الأخلاقية وهو تلاعب بالمعلومات'”. وأضاف أن “المعلومات مسألة خطيرة، لذلك هناك قواعد أخلاقية”.

توضيح الرئيس وتأكيده على الديمقراطية

إلا أن الرئيس شدد على نقطة حاسمة: “ليس من حق الحكومة أو الدولة أن تقول ‘هذه معلومات وهذه ليست معلومات'”. وأضاف: “لا نريد أن نقع في هذا الفخ أيضاً، لأن هذا ليس هو الديمقراطية. وإلا، فإنه يتحول بسرعة إلى حكم استبدادي”. وأكد ماكرون أن الهدف ليس فرض رقابة، بل تعزيز الشفافية والثقة.

واستشهد ماكرون بمبادرة “Journalism Trust Initiative” (JTI) كنموذج لخطته. تم إطلاق هذه المبادرة في عام 2021 من قبل منظمة “مراسلون بلا حدود”، وتركز على كيفية إنتاج المحتوى الصحفي والأخلاقيات المحيطة بهذه العملية، بدلاً من الحكم على المحتوى نفسه. تم تطوير معايير الاعتماد من قبل لجنة تضم 130 خبيراً من الصحفيين والمؤسسات والهيئات التنظيمية والناشرين وشركات التكنولوجيا.

وبحسب بنجامين سابح، مدير مبادرة JTI، فإن الهدف من الشهادة هو “تحديد المصادر الموثوقة للمعلومات وتعزيزها” في ظل تزايد اعتماد المستهلكين على محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار. حتى الآن، شارك أكثر من 2400 وسيلة إعلامية في 127 دولة في مبادرة JTI.

وفي رد فعل على التصوير غير الدقيق لتصريحاته، نشرت الرئاسة الفرنسية على منصة X (تويتر سابقاً) رسالة جاء فيها: “برافدا؟ وزارة الحقيقة؟ عندما يؤدي الحديث عن مكافحة المعلومات المضللة إلى نشر معلومات مضللة…” وقاموا بإرفاق مقطع فيديو يقارن بين عناوين وسائل الإعلام المختلفة وتصريحات المعلقين السياسيين، وبين لقطات فيديو أصلية لتصريحات ماكرون.

تصاعدت ردود الفعل السياسية، حيث اتهم حزب “Les Républicains” المحافظ ماكرون بتقويض الديمقراطية من خلال السعي إلى إنشاء “حقيقة رسمية”. كما أطلق حزب “Union des droites pour la République” المحافظ عريضة مماثلة، تدعي أن السلطة التنفيذية الفرنسية تحاول إنشاء “وزارة الحقيقة”، ودعت إلى التخلي عن مشروع “الشهادة”. وقد جمعت كلتا العريضتين أكثر من 41 ألف توقيع.

تأتي هذه التطورات في سياق أوسع من النقاش حول التضليل الإعلامي وحرية الصحافة في فرنسا وأوروبا. كما أنها تثير تساؤلات حول دور وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام وتأثير الملكية الإعلامية على التغطية الإخبارية.

من المتوقع أن تستمر المناقشات حول مقترح ماكرون في الأسابيع المقبلة، مع احتمال تقديم الحكومة لمزيد من التفاصيل حول كيفية عمل نظام الشهادات. سيكون من المهم مراقبة رد فعل وسائل الإعلام والأحزاب السياسية، وكذلك تقييم تأثير هذه المبادرة على جودة المعلومات المتاحة للجمهور. لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا المقترح سيحظى بتأييد واسع النطاق أو سيواجه معارضة قوية.

شاركها.