تصاعدت التوترات بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا، بعد إعلان مسؤول عسكري كبير في الناتو أن الدول الأعضاء تدرس ما إذا كانت بحاجة إلى أن تكون “أكثر حزماً” في مواجهة حملة التهديد الهجين الروسية. وتأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن الاستهداف الروسي للبنية التحتية الحيوية والدول الأعضاء في الناتو، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الأمن الأوروبي والأطلسي. ويُعدّ التهديد الهجين الروسي محوراً رئيسياً للقلق الأمني في الوقت الحالي.

الناتو يفكر في ردود فعل “استباقية” لمواجهة التهديد الهجين

أفاد الأدميرال جوزيبي كافو دراجون، رئيس اللجنة العسكرية للناتو، في تصريحات لصحيفة فاينانشيال تايمز أن الحلف يقيّم إمكانية التحول من ردود الفعل إلى اتخاذ إجراءات “استباقية”، بما في ذلك عمليات محتملة في مجالي السيبرنتيك والتخريب. وأشار إلى أن هذه الإجراءات قد تندرج ضمن نطاق العقيدة الدفاعية للناتو، لكنه اعترف بأنها تمثل “تحولاً بعيداً عن الطريقة المعتادة في التفكير والسلوك”.

ومع ذلك، أضاف دراجون أن الناتو وأعضائه يواجهون قيودًا أكبر من نظيرهم الروسي بسبب الاعتبارات الأخلاقية والقانونية والاختصاص القضائي. وأوضح أن هذا قد يمثل تحديًا، لكنه لم يصفه بأنه وضع “خاسر”، بل بأنه يتطلب معالجة دقيقة. وأشار إلى نجاح مهمة “بالتيك سنتري” البحرية في ردع الأعمال التخريبية الروسية المرتبطة.

ردود فعل روسية وتصريحات دولية

ردت وزارة الخارجية الروسية على الفور على تصريحات دراجون، واصفةً إياها بأنها “خطوة غير مسؤولة للغاية”. واتهمت موسكو الناتو بالسعي نحو التصعيد، بحسب ما أفادت وسائل الإعلام الروسية. وفي المقابل، استهزأت كارى فيليبيتي، المديرة التنفيذية لتحالف فاندنبرغ، بـ”تحذيرات” روسيا، مشيرةً إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022 يثبت أن روسيا هي المعتدية. وأكدت أن الناتو ببساطة يتفاعل مع هذا العدوان.

وأوضحت فيليبيتي أن المادة الخامسة من معاهدة الناتو (التي تنص على أن الاعتداء على أحد الأعضاء هو اعتداء على الجميع) لا تلزم الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات مماثلة إذا تبنى الناتو موقفًا أكثر حزمًا، بل يسمح للولايات المتحدة باتخاذ “الإجراءات التي تراها ضرورية” في حالة تعرض دولة عضو في الناتو للهجوم.

من جانبه، صرح الجنرال بروس كارلسون، من القوات الجوية الأمريكية المتقاعد، بأن روسيا هي التي تتخذ إجراءات عسكرية استباقية في أوروبا بهدف غزو واحتلال أراضي دولة ذات سيادة بالقوة. وأكد أن بوتين لا يفهم سوى “لغة القوة”. واعتبر أن الرئيس ترامب قد ساهم في تعزيز الناتو، وأن من الضروري استخدام كافة الأدوات المتاحة لحث روسيا على التفاوض والتوصل إلى حل دائم يحترم سيادة أوكرانيا ويحمي المصالح الأمنية للولايات المتحدة.

تزايد الأنشطة الروسية الهجينة

تأتي هذه التحذيرات في ظل تصاعد الأنشطة المرتبطة بروسيا والتي يعتبرها مسؤولو الناتو من قبيل الحرب الهجينة. ويقول الحلف إنه يواجه هجمات سيبرانية يومية يمكن إرجاعها إلى موسكو، بالإضافة إلى عمليات تضليل وضغوط هجرة مستمرة، واستهداف متكرر للبنية التحتية الحيوية. إن هذه الأنشطة تشمل التدخل في الانتخابات، وحملات الترويج للأخبار الكاذبة، والهجمات الإلكترونية على شبكات الطاقة والاتصالات.

وفي أواخر عام 2024، أدت سلسلة من حوادث التخريب إلى مراجعة كبيرة في الناتو. في نوفمبر وديسمبر من العام نفسه، تضرر عدد من الكابلات البحرية للبيانات، بالإضافة إلى خط طاقة رئيسي. اتهم الادعاء العام الفنلندي طاقم ناقلة تابعة لجزر كوك بسحب مرساة على مسافة تزيد عن 80 كيلومترًا، مما أدى إلى قطع البنية التحتية، لكن المحكمة الفنلندية رفضت لاحقًا القضية بحجة أن القانون الوطني لا ينطبق.

بالإضافة إلى ذلك، عبرت حوالي 20 طائرة بدون طيار إلى الأجواء البولندية، وهي عضو في الناتو، في سبتمبر الماضي، مما دفع وارسو إلى تفعيل استشارات المادة الرابعة. وصف رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك ذلك بأنه “أقرب ما نكون إلى صراع مفتوح منذ الحرب العالمية الثانية”، بينما نفت موسكو استهداف الأراضي البولندية. يشير هذا إلى تصاعد المخاطر وازدياد احتمالات وقوع حوادث قد تتصاعد إلى مواجهة أوسع.

من المتوقع أن يواصل الناتو تقييم قدراته الدفاعية واستراتيجياته في مواجهة التهديد المتزايد من روسيا. وقد تتضمن الخطوات التالية زيادة التعاون في مجال الأمن السيبراني، وتعزيز وجوده العسكري في الدول الأعضاء الواقعة على الحدود مع روسيا، وتطوير آليات للردع السريع على أي عمل عدائي. في الوقت الحالي، لا يزال الوضع متوتراً ويتطلب متابعة دقيقة.

شاركها.