كشفت تقارير إخبارية عن اعتقاد الأجهزة الأمنية البريطانية بدخول جاسوسين روسيين مشتبه بهما إلى المملكة المتحدة سرًا على متن سفن شحن، ثم توجّههما إلى مناطق قريبة من قواعد عسكرية رئيسية وبنية تحتية حكومية حيوية. وتأتي هذه التطورات في ظل توترات متصاعدة بين المملكة المتحدة وروسيا، وزيادة المخاوف من الأنشطة الاستخباراتية الروسية في أوروبا. يركز هذا المقال على تفاصيل هذه الواقعة وعلاقتها بتهديدات التجسس الروسي المتزايدة.
تسلل الجواسيس الروس عبر سفن الشحن: تهديد أمني متزايد
وفقًا لصحيفة “آي” البريطانية، وصل الرجلان إلى المملكة المتحدة خلال فصلي الربيع والصيف من عام 2025، مستخدمين موانئ في توركواي وميدلزبرة وغرانجموث في شمال شرق البلاد. ورجحت مصادر دفاعية بريطانية أن يكون هذان الشخصان مرتبطين بشبكات الاستخبارات العسكرية الروسية التابعة للرئيس فلاديمير بوتين.
وتعتمد الطريقة التي استخدمها الجواسيس المشتبه بهما على استغلال مسارات الشحن التجاري، بدلًا من المرور عبر نقاط الدخول الحدودية التي تخضع لمراقبة مشددة. الأمر الذي يثير القلق هو أن السفن التي استخدموها لم تكن مسجلة تحت العلم الروسي ولم تكن جزءًا من الأسطول “الظلّي” الخاضع للعقوبات والمتعلق بالكرملين، مما قلل من احتمالية إثارة الشبهات.
طرق التسلل والاستهداف
ذكر مسؤول كبير في حلف الناتو، مسؤول عن حماية المياه الأوروبية، أن وكالات الاستخبارات رصدت مسؤولين روسيين يسافرون على متن سفن شحن غير مشبوهة. وأوضح المسؤول أن هذه السفن توفر وسيلة مثالية لتحريك الأفراد بسرية، مؤكدًا أن هذا الأمر يحدث بالفعل.
وأشار المصدر إلى أن العملاء الروس يقومون بمراقبة واختبار الموانئ الأوروبية لتحديد نقاط الضعف. وقد دخل أحد المشتبه بهما إلى المملكة المتحدة عبر توركواي بعد رحلة من فنلندا. بينما يُعتقد أن المشتبه به الآخر، الذي شوهد سابقًا في موسكو في منشأة مرتبطة بالاستخبارات، سافر من كالينينغراد ودخل عبر ميدلزبرة وغرانجموث.
وبعد قضاء بعض الوقت بالقرب من منشأة تخزين في غرانجموث، سافر المشتبه به الثاني أيضًا إلى فالكيرك، حيث زار مجمعًا تجاريًا. اللافت للنظر أن كلا الميناءين البريطانيين تم اقتراحهما مؤخرًا من قبل وزارة الدفاع كمواقع محتملة لمصانع الأسلحة المستقبلية في المملكة المتحدة. وهي مواقع غير مستغلة حاليًا، مما يزيد من المخاوف بشأن الآثار الأمنية للزيارات المزعومة.
الاستخبارات الروسية والتهديدات الهجينة
تأتي هذه الحادثة في سياق أوسع من التوترات بين روسيا والغرب، والتي تتضمن اتهامات بالتدخل في الانتخابات، والهجمات الإلكترونية، وحملات التضليل. وقد حذرت الحكومة البريطانية مؤخرًا من أن سفينة تجسس روسية تتواجد على مقربة من المياه البريطانية، داعيةً الرئيس بوتين إلى التهدئة.
وفي ضوء هذه التطورات، يدرس حلف الناتو ردودًا “أكثر حزمًا” على التهديدات الهجينة الروسية. تشمل هذه التهديدات حرب المعلومات، والتخريب، والعمليات السرية التي تهدف إلى تقويض الاستقرار في الدول الأعضاء. ويرى خبراء الاستخبارات أن استغلال الثغرات في قطاع الشحن التجاري يمثل أسلوبًا متطورًا يستخدمه الروس لتجنب الكشف وتسهيل أنشطتهم الاستخباراتية.
وصرحت إليزابيث براو، من مجلس الاستخبارات والزميلة العليا في المجلس الأطلسي، أن استغلال الاستخبارات الروسية لهذه الثغرات أمر منطقي. وأضافت أنهم بحاجة إلى مشغليهم الخاصين لإجراء هذا النوع من النشاط، حتى في الوقت الذي يمكنهم فيه الوصول إلى أشخاص متواجدين بالفعل في البلاد. ويتوافق هذا مع استراتيجية روسية طويلة الأمد تهدف إلى جمع المعلومات والتأثير على عمليات صنع القرار في الدول الغربية.
تُظهر هذه الحادثة أيضًا تعقيد التحديات الأمنية التي تواجهها الدول الغربية. ففي حين أن التركيز ينصب في الغالب على تدابير الأمن الحدودية التقليدية، فإن الأنشطة الاستخباراتية الروسية تتكيف باستمرار مع هذه التدابير، وتبحث عن طرق جديدة للتسلل والعمل في الخفاء. الأمن القومي يتطلب يقظة مستمرة وتطويرًا مستمرًا لأساليب الكشف والاستجابة.
التعاون الاستخباري بين الدول الغربية أمر بالغ الأهمية لمواجهة هذا التهديد. من خلال تبادل المعلومات وتنسيق الجهود، يمكن لوكالات الاستخبارات تحديد وتعطيل الأنشطة الروسية الخبيثة بشكل أكثر فعالية، والحفاظ على أمن البنية التحتية الحيوية.
من المتوقع أن تعقد الحكومة البريطانية اجتماعًا عاجلاً لمناقشة هذه التطورات، وتحديد الخطوات اللازمة لتعزيز الأمن في الموانئ والمناطق الحساسة. وستتضمن هذه الخطوات على الأرجح زيادة المراقبة، وتوسيع نطاق جمع المعلومات الاستخباراتية، ومراجعة البروتوكولات الأمنية الحالية. وفي الوقت نفسه، من المهم مراقبة رد فعل روسيا على هذه الاتهامات، وما إذا كانت ستتخذ أي خطوات لتخفيف التوترات. يبقى الوضع متقلبًا ويتطلب تقييمًا مستمرًا.






