يعتقد الكثيرون أن عصير البرتقال مجرد مشروب صباحي مألوف، ولكنه يتجاوز مجرد إرواء العطش. أظهرت أبحاث علمية حديثة أن الاستهلاك المنتظم لعصير البرتقال يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على صحة القلب والأوعية الدموية من خلال تعديل نشاط الجينات المرتبطة بالالتهابات وضغط الدم وتنظيم السكر في الجسم.
أجرى الدكتور ديفيد سي. جاز، من جامعة وستمنستر في بريطانيا، دراسةً كشفت أن شرب عصير البرتقال بانتظام يرتبط بتغييرات في تعبير الجينات داخل خلايا الجهاز المناعي. هذه التغييرات يمكن أن تساعد في التحكم في ضغط الدم، وتهدئة الالتهابات، وتحسين كيفية معالجة الجسم للجلوكوز، وهي عوامل حاسمة لصحة القلب على المدى الطويل.
تأثير عصير البرتقال على وظائف الجسم
تضمنت الدراسة متابعة بالغين قاموا بشرب 500 ملليلتر من عصير البرتقال النقي المبستر يوميًا لمدة شهرين. وبعد هذه الفترة، لوحظ انخفاض في نشاط الجينات المسؤولة عن الاستجابات الالتهابية وعن ارتفاع ضغط الدم لدى المشاركين.
من بين الجينات التي تأثرت، NAMPT وIL6 وIL1B وNLRP3، والتي تزداد نشاطها عادةً في حالات الإجهاد أو الالتهاب. بالإضافة إلى ذلك، انخفض نشاط جين SGK1، الذي يلعب دورًا في تنظيم امتصاص الصوديوم في الكلى.
تتوافق هذه النتائج مع دراسات سابقة أظهرت أن شرب عصير البرتقال يمكن أن يساهم في خفض مستويات ضغط الدم لدى الشباب.
تقدم هذه الاكتشافات تفسيراً محتملاً للارتباط الإيجابي بين استهلاك عصير البرتقال وتحسين صحة القلب الذي تم ملاحظته في العديد من الدراسات السريرية.
التأثير على مقاومة الأنسولين والكوليسترول
تشير مراجعة بحثية شملت 639 مشاركًا من 15 دراسة مختلفة، إلى أن الاستهلاك المنتظم لعصير البرتقال قد يقلل من مقاومة الأنسولين ومستويات الكوليسترول الضار في الدم. مقاومة الأنسولين هي علامة مميزة لمرحلة ما قبل السكري، بينما يعتبر ارتفاع الكوليسترول من عوامل الخطر الرئيسية لأمراض القلب.
ركز تحليل آخر على البالغين الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة، وأظهر انخفاضًا طفيفًا في ضغط الدم الانقباضي وزيادة في مستويات البروتين الدهني عالي الكثافة (HDL) المعروف بالكوليسترول الجيد، بعد عدة أسابيع من تناول عصير البرتقال يوميًا. وعلى الرغم من أن هذه التغييرات قد تبدو متواضعة، إلا أن التحسينات الصغيرة في هذين المؤشرين يمكن أن يكون لها تأثير كبير على صحة القلب على المدى الطويل.
دور المستقلبات وميكروبيوم الأمعاء
تظهر الأدلة المتزايدة أن تأثير عصير البرتقال لا يقتصر على مجرد توفير السكر، بل يمتد ليشمل تحفيز تغييرات طفيفة في العمليات التنظيمية للجسم التي تقلل الالتهاب وتعزز استرخاء الأوعية الدموية. تلعب المركبات الطبيعية الموجودة في البرتقال، وخاصة الهسبيريدين، وهو فلافونويد حمضي معروف بخصائصه المضادة للأكسدة والالتهابات، دورًا هامًا في هذه التأثيرات.
أظهرت دراسة حديثة أن شرب عصير البرتقال الدموي لمدة شهر واحد يزيد من عدد بكتيريا الأمعاء المنتجة للأحماض الدهنية قصيرة السلسلة. تساعد هذه الأحماض في الحفاظ على ضغط دم صحي وتقليل الالتهابات.
يبدو أن الأشخاص الذين يعانون من متلازمة التمثيل الغذائي، والتي تتميز بمجموعة من عوامل الخطر مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة السكر في الدم وزيادة الدهون في الجسم، قد يستفيدون بشكل خاص من هذه التأثيرات الإيجابية.
في دراسة أجريت على 68 مشاركًا يعانون من السمنة، أدى تناول عصير البرتقال يوميًا إلى تحسين وظيفة بطانة الأوعية الدموية، وهي عملية ضرورية للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية.
بشكل عام، تشير الأدلة إلى أن شرب عصير البرتقال لا يقتصر على استهلاك السكر، بل يمكن أن يكون له فوائد صحية ملموسة. على الرغم من أن الفاكهة الكاملة تظل الخيار الأمثل نظرًا لاحتوائها على الألياف، إلا أن تناول كوب صغير من عصير البرتقال النقي يوميًا قد يساهم في تعزيز صحة القلب والأوعية الدموية.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث في استكشاف الآليات الدقيقة التي من خلالها يؤثر عصير البرتقال على صحة القلب، مع التركيز بشكل خاص على دور ميكروبيوم الأمعاء وتأثير الهسبيريدين. سيساعد هذا في وضع توصيات غذائية أكثر دقة بحلول نهاية عام 2026، مع الأخذ في الاعتبار الاختلافات الفردية في الاستجابة.






