يستعد المغرب لتعزيز مكانته كمركز تجاري ولوجستي رئيسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط من خلال تشغيل ميناء الناظور غرب المتوسط الجديد في نهاية العام المقبل. هذا الميناء الضخم، الذي يتطلب استثمارات تقدر بـ 40 مليار درهم (4.2 مليار دولار)، يهدف إلى زيادة القدرة التنافسية للمغرب وجذب استثمارات جديدة. ويتوقع أن يستقطب الميناء استثمارات خاصة مماثلة، مما يعزز النمو الاقتصادي في المنطقة الشرقية من البلاد.
يقع ميناء الناظور غرب المتوسط بالقرب من مدينة الناظور شمال شرق المغرب، ويمثل جزءًا من استراتيجية وطنية شاملة لتطوير البنية التحتية المينائية. يذكر أن المغرب يمتلك بالفعل 44 ميناء على طول ساحله الممتد، مع قدرة استيعابية إجمالية تصل إلى 300 مليون طن سنويًا، وفقًا للبيانات الحكومية. هذا التوسع يأتي في سياق تزايد حركة التجارة العالمية وزيادة الطلب على الخدمات اللوجستية المتطورة.
ميناء الناظور غرب المتوسط: بوابة جديدة للتجارة في المغرب
سيتم تشغيل الميناء الجديد بطاقة استيعابية تصل إلى 5.5 مليون حاوية سنويًا، بالإضافة إلى قدرة تخزين للهيدروكربونات تبلغ 25 مليون طن، وهي الأكبر من نوعها في المملكة. يهدف هذا الميناء إلى التخفيف من الضغط على الموانئ الرئيسية الأخرى في البلاد، مثل ميناء طنجة المتوسط، وتحسين كفاءة سلسلة التوريد.
تم تأسيس شركة “الناظور غرب المتوسط” عام 2012 كشركة حكومية للإشراف على تطوير البنية التحتية للميناء. شملت الاستثمارات الضخمة ربط الميناء بشبكة الطرق السريعة والسكك الحديدية، بالإضافة إلى توفير مصادر الطاقة النظيفة لدعم العمليات.
محطة للغاز الطبيعي المسال تعزز أمن الطاقة
بالإضافة إلى ذلك، سيستضيف الميناء أول محطة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال في المغرب، والتي من المقرر أن تكون جاهزة في النصف الأول من عام 2027. ستصل سعة المحطة القصوى إلى 175 ألف متر مكعب، مما سيسهم في تعزيز أمن الطاقة في البلاد وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وتسعى المملكة بشكل متزايد إلى استخدام الغاز الطبيعي كوقود انتقالي بالتزامن مع الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة.
تعتبر الاستثمارات في ميناء الناظور جزءًا من جهود أوسع نطاقًا لتحويل المنطقة الشرقية من المغرب إلى مركز صناعي ولوجستي حيوي. وقد صرح محمد جمال بنجلون، المدير العام لشركة “الناظور غرب المتوسط”، أن الهدف هو جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال توفير بنية تحتية عالمية المستوى.
بدأت بالفعل الاستثمارات الخاصة في الميناء، حيث تم تخصيص 6 مليارات درهم لمحطتي حاويات، و3 مليارات درهم لمحطات تخزين الهيدروكربونات. كما سيضم الميناء محطة للصب ومحطة مخصصة لخدمات الشحن والتفريغ، مما يوفر مجموعة شاملة من الخدمات للمستوردين والمصدرين.
تمويل الميناء: مزيج من المصادر
تمكنت شركة “الناظور غرب المتوسط” من تأمين التمويل اللازم للمشروع من خلال مجموعة متنوعة من المصادر. بالإضافة إلى التمويل الحكومي والمؤسسات المالية الدولية والمحلية، أصدرت الشركة سندات اقتراض بقيمة 1.2 مليار درهم في مارس الماضي. هذا النجاح في جمع التمويل من السوق المحلية يعكس ثقة المستثمرين في المشروع وإمكاناته المستقبلية.
بالإضافة إلى ذلك، تلقى الميناء تمويلًا من البنك الأفريقي للتنمية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، بالإضافة إلى صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو صندوق حكومي مغربي يهدف إلى دعم مشاريع البنية التحتية. هذه الشراكات الدولية تعزز من مصداقية المشروع وتضمن تنفيذه وفقًا لأعلى المعايير.
يُعد جذب شركة “إم إس سي” (MSC)، أكبر شركة حاويات في العالم، لتشغيل محطة في الميناء، إنجازًا هامًا آخر. ستدير “مرسى المغرب”، الشركة الوطنية المشغلة للمحطات المينائية، المحطة بالتعاون مع “إم إس سي”، ومن المتوقع أن يتم ضخ 280 مليون يورو في المرحلة الأولى من المشروع، والتي من المقرر أن تبدأ عملياتها في عام 2027.
بالتوازي مع ميناء الناظور، يشهد ميناء الداخلة قيد الإنشاء تقدمًا ملحوظًا. يهدف هذا الميناء، الواقع على الساحل الأطلسي، إلى تعزيز التكامل الاقتصادي الأفريقي وتسهيل التجارة مع دول الساحل. من المتوقع أن يكتمل بناء ميناء الداخلة بحلول عام 2028، بكلفة إجمالية تقدر بـ 1.4 مليار دولار.
مع استمرار العمل في ميناءي الناظور والداخلة، يتأهب المغرب ليصبح مركزًا لوجستيًا وتجاريًا رئيسيًا في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. إنجاز ميناء الناظور بنهاية العام المقبل يمثل خطوة حاسمة في هذا الاتجاه، ويتوقع أن تتبعها المزيد من الاستثمارات والتطورات في قطاع الموانئ المغربية. سيشكل تطوير هذه الموانئ اختبارًا لقدرة المغرب على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام في السنوات القادمة.






