شهدت بلغاريا احتجاجات واسعة النطاق في العاصمة صوفيا ومدن أخرى، مما دفع الحكومة إلى سحب مشروع ميزانية عام 2026 المثير للجدل. وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من المظاهرات الحاشدة التي قادها بشكل رئيسي الشباب البلغاري، الذين يعبرون عن قلقهم بشأن الفساد المستشري وتأثير الميزانية على استعداد البلاد للانضمام إلى منطقة اليورو في أوائل عام 2026. وتعتبر بلغاريا من الدول التي تشهد تحولات اقتصادية وسياسية مهمة.
الاحتجاجات ضد ميزانية بلغاريا وتأثيرها على الانضمام لمنطقة اليورو
بدأت الاحتجاجات في أعقاب الكشف عن مشروع الميزانية الذي تضمن زيادات ضريبية ومساهمات في الضمان الاجتماعي، مما أثار مخاوف واسعة النطاق من تأثيره السلبي على الاقتصاد، خاصة مع اقتراب موعد الانضمام إلى منطقة اليورو. ويرى العديد من مراقبي الأعمال والمعارضة أن هذه الميزانية من شأنها أن تعرقل التقدم الاقتصادي لبلغاريا وتقلل من جاذبيتها للاستثمار.
صرح دانيال لورر، عضو البرلمان البلغاري، بأن “جيل زد نزل إلى الشوارع لأنهم يريدون البقاء في بلغاريا، ولكنهم يريدون بلغاريا جديدة ومتجددة وخالية من الفساد”. وأضاف لورر أن الحكومة رفضت الاستماع إلى مطالبهم وأن الميزانية المقترحة لم تكن سوى استمرار للسياسات السابقة، مع زيادة الضرائب ومساهمات الضمان الاجتماعي وزيادة الديون.
رد فعل الحكومة
في البداية، تجاهلت الحكومة الاحتجاجات، ولكن مع استمرار التظاهرات وتزايد الضغط الشعبي، اضطرت إلى التراجع. وأعلن رئيس الوزراء روزن زيليازكوف عن سحب الميزانية ووعد بتقديم نسخة جديدة تعالج المخاوف التي أثارها المحتجون. وشدد زيليازكوف على أن الحكومة تقدر أصوات المواطنين وتسعى إلى إيجاد حلول تضمن حقوقهم وتطلعاتهم.
الجدير بالذكر أن الاحتجاجات كانت سلمية في الغالب، باستثناء بعض الاشتباكات بين متظاهرين مقنعين وقوات الشرطة بعد مهاجمة مكاتب الحزب الحاكم في صوفيا. وعلى الرغم من هذه الحوادث، ساد شعور بالإيجابية بشأن قدرة الحوار على حل الأزمة.
التوترات الجيوسياسية وتأثيرها على الوضع
يثير الوضع في بلغاريا مخاوف بشأن الاستقرار السياسي في الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن البلاد لديها تاريخ طويل من العلاقات المعقدة مع روسيا. ويشير المحللون إلى أن أي اضطرابات سياسية في بلغاريا يمكن أن تستغلها موسكو لتقويض الديمقراطية في المنطقة وتعزيز نفوذها. هناك تقارير تشير إلى حملات إعلامية متواصلة من قبل روسيا لإثارة المعارضة ونشر الشك حول عملية انضمام بلغاريا إلى منطقة اليورو، وتهدف هذه الحملات إلى زعزعة الثقة في المؤسسات الأوروبية.
ورأى الرئيس البلغاري رومين راديف، الذي يتبنى موقفًا معارضًا تجاه الحكومة وميزانيتها، أن الاحتجاجات مبررة ودعا إلى استقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة. في المقابل يرى البعض أن هذا الموقف قد يؤدي إلى حالة من الجمود السياسي وإضعاف تحالف بلغاريا مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
الوضع الاقتصادي والاستعداد للانضمام إلى منطقة اليورو
تعتبر بلغاريا من أفقر دول الاتحاد الأوروبي، حيث انضمت إلى الاتحاد في عام 2007 وبدأت رسميًا عملية الانضمام إلى منطقة اليورو في عام 2018. وانضم عملة الليف البلغاري إلى آلية سعر الصرف الأوروبي في يوليو 2020. وتهدف الحكومة إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي اللازم لتبني اليورو في يناير 2026.
لكن هذه الخطوة تواجه معارضة واسعة النطاق بين أوساط المجتمع البلغاري، الذين يخشون من ارتفاع التضخم وتكاليف المعيشة. على الرغم من أن الانضمام إلى منطقة اليورو يُنظر إليه على أنه خطوة مهمة في التنمية السياسية والاقتصادية لبلغاريا، إلا أن العديد من البلغاريين ليسوا مقتنعين بأن آفاقهم الاقتصادية ستتحسن بمجرد أن يصبحوا جزءًا من الاتحاد. ويعد هذا التشكيك من العوامل التي تساهم في استمرار الاحتجاجات.
الآن، يتوقع أن تقدم الحكومة مشروع ميزانية جديد لمعالجة هذه المخاوف.وستكون عملية المراجعة والتدقيق حاسمة لضمان توافق الميزانية مع متطلبات الانضمام إلى منطقة اليورو وتلبية تطلعات الشعب البلغاري. ويبقى الوضع السياسي والاقتصادي في بلغاريا متقلبًا ويتطلب مراقبة دقيقة في الأشهر المقبلة.






