شهد القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، مدفوعًا برؤية السعودية 2030 وجهود المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي. وكشف الدكتور يوسف بن إبراهيم الراجحي، محافظ المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، عن ارتفاع عدد المنظمات غير الربحية إلى أكثر من 7,000 منظمة في عام 2025، مقارنة بـ 1,700 منظمة في عام 2017. هذا النمو الكبير في القطاع غير الربحي يعكس التزام المملكة بتعزيز العمل التطوعي والمجتمعي.
جاء هذا الإعلان خلال حفل افتتاح مؤخرًا، حيث سلط الراجحي الضوء على الدور المتزايد الأهمية الذي يلعبه القطاع غير الربحي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمملكة. وأشار إلى أن هذا النمو ليس مجرد زيادة في الأرقام، بل يمثل تحولًا نوعيًا في كفاءة وحوكمة هذه المنظمات. وتشير البيانات إلى أن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت إلى حوالي 1.2%، مع هدف طموح للوصول إلى 5% بحلول عام 2030.
تطور القطاع غير الربحي في السعودية: نظرة عامة
يمتد تاريخ العمل الخيري والاجتماعي في المملكة العربية السعودية إلى عقود مضت، حيث يعود أول تنظيم رسمي للتبرعات إلى عام 1928 في عهد الملك عبدالعزيز – رحمه الله -. ومع ذلك، شهد القطاع تسارعًا كبيرًا في تطوره بعد إطلاق رؤية السعودية 2030. تهدف الرؤية إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتعزيز دور القطاع الخاص والمجتمع المدني في التنمية.
دور المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي
يعتبر المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، الذي تم إنشاؤه بموجب رؤية 2030، حجر الزاوية في هذا التحول. ويعمل المركز كمظلة تنظيمية موحدة، ويسعى إلى رفع كفاءة الحوكمة والشفافية في المنظمات غير الربحية، وتمكينها من تحقيق أهدافها بفاعلية أكبر. وقد ساهم المركز في تطوير اللوائح والسياسات التي تحكم عمل القطاع، بالإضافة إلى تقديم الدعم المالي والفني للمنظمات.
بالإضافة إلى ذلك، يركز المركز على تعزيز التعاون بين المنظمات غير الربحية والجهات الحكومية والقطاع الخاص. ويهدف هذا التعاون إلى تحقيق التكامل وتجنب الازدواجية في الجهود، وزيادة الأثر الإيجابي للمشاريع والبرامج الاجتماعية. وتشير التقارير إلى أن هذا التكامل قد بدأ بالفعل في إحداث نتائج ملموسة على أرض الواقع.
التركيز على الأولويات التنموية
أحد أبرز التطورات في القطاع غير الربحي هو الزيادة الكبيرة في عدد المنظمات المتخصصة التي تدعم الأولويات التنموية للمملكة. فقد ارتفعت نسبة هذه المنظمات إلى أكثر من 92%، مما يعكس التزام القطاع بتلبية احتياجات المجتمع والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتشمل هذه الأولويات مجالات مثل التعليم والصحة والبيئة والتمكين الاقتصادي.
ويرتبط هذا التحول بالجهود المبذولة لتوجيه التبرعات والموارد نحو المشاريع الأكثر أولوية. وقد أطلق المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي مبادرات مختلفة لتشجيع التبرع للمنظمات التي تعمل في المجالات ذات الأثر الاجتماعي والاقتصادي الأكبر. وتشمل هذه المبادرات توفير حوافز ضريبية للمتبرعين، وتسهيل إجراءات التبرع عبر الإنترنت.
ومع ذلك، لا يزال هناك تحديات تواجه القطاع غير الربحي في المملكة. من بين هذه التحديات، نقص الكفاءات المتخصصة، وصعوبة الحصول على التمويل المستدام، والبيروقراطية الإدارية. ويعمل المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي على معالجة هذه التحديات من خلال تطوير برامج تدريبية، وتوفير الدعم المالي والفني، وتبسيط الإجراءات الإدارية.
النمو في القطاع غير الربحي يتماشى مع الاتجاهات العالمية المتزايدة نحو المسؤولية الاجتماعية للشركات والمشاركة المجتمعية. وتشير الدراسات إلى أن المنظمات غير الربحية تلعب دورًا حيويًا في سد الفجوات التي تتركها الحكومات والقطاع الخاص، وتقديم الخدمات الأساسية للفئات الأكثر احتياجًا. كما أنها تساهم في تعزيز الابتكار الاجتماعي وتطوير حلول مستدامة للتحديات المجتمعية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير القطاع غير الربحي يمثل فرصة لتعزيز الشفافية والمساءلة في العمل الخيري والتطوعي. فقد أدى التركيز على الحوكمة والشفافية إلى تحسين ثقة الجمهور في المنظمات غير الربحية، وزيادة الإقبال على التبرع لها. وتشير البيانات إلى أن حجم التبرعات للمنظمات غير الربحية في المملكة قد ارتفع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
الاستثمار في القطاع غير الربحي يعتبر أيضًا محركًا للنمو الاقتصادي. فقد أظهرت الدراسات أن المنظمات غير الربحية تخلق فرص عمل جديدة، وتساهم في زيادة الإنفاق الاستهلاكي، وتعزيز السياحة الاجتماعية. كما أنها تلعب دورًا مهمًا في تطوير المهارات والكفاءات لدى الشباب، وإعدادهم لسوق العمل.
في المستقبل القريب، من المتوقع أن يستمر القطاع غير الربحي في النمو والتطور في المملكة العربية السعودية. ويركز المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي حاليًا على تطوير استراتيجية شاملة للقطاع، تهدف إلى تحقيق أهداف رؤية 2030. وتشمل هذه الاستراتيجية تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتطوير البنية التحتية للقطاع، وتشجيع الابتكار الاجتماعي. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على التغلب على التحديات القائمة، وضمان توفير الموارد الكافية لتنفيذها.
ما يجب مراقبته في المستقبل القريب هو التقدم المحرز نحو تحقيق هدف 5% مساهمة للقطاع غير الربحي في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، بالإضافة إلى تأثير الإصلاحات التنظيمية الجديدة على كفاءة وفاعلية المنظمات غير الربحية. كما يجب متابعة تطورات التمويل المستدام للقطاع، والجهود المبذولة لجذب الكفاءات المتخصصة.






