في ظل سعي الولايات المتحدة إلى تحقيق الاستقرار في سوريا وتوقيع اتفاق أمني بينها وبين إسرائيل، تتصاعد التوترات بسبب استمرار التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية. يرى محللون أن هذه التوغلات تعكس موقف قوة إسرائيلي، ويستكشفون مدى قدرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على التأثير في سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في هذا الملف المعقد. وتثير هذه الأحداث تساؤلات حول مستقبل سوريا ودورها الإقليمي.

أكد الرئيس ترامب على أهمية تحول سوريا إلى دولة مزدهرة، معربًا عن قلقه من أن التوغلات الإسرائيلية قد تعيق التوصل إلى اتفاق أمني شامل. وذكرت مصادر إخبارية أن المبعوث الأمريكي الخاص، توم براك، أجرى محادثات صعبة مع مسؤولين أمنيين إسرائيليين بشأن الوضع في سوريا.

الوضع في سوريا: إسرائيل في موقف قوة

يرى جوشوا لاندس، مدير معهد الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهما، أن نتنياهو يتصرف من موقع قوة، مستفيدًا من حاجة ترامب لدعمه في معركته الانتخابية. تعتقد إسرائيل أن سوريا لا تشكل تهديدًا مباشرًا لها في الوقت الحالي.

ويربط لاندس رغبة ترامب في مساعدة سوريا بتقوية تحالفه مع أنقرة والرياض، بالإضافة إلى سعيه للحصول على دعم مؤيدي إسرائيل داخل الولايات المتحدة. هذا الأمر يدفعه إلى محاولة إقناع تل أبيب بدلاً من الضغط عليها.

تباينات في الرؤى الأمريكية والإسرائيلية

في المقابل، يصر نتنياهو على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين دمشق والأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل في جنوب سوريا، مؤكدًا عدم التخلي عن المكاسب الإقليمية التي حققها بعد التغييرات الأخيرة في سوريا. ويتمسك بمبادئه في هذا الشأن.

وتشير بعض التقارير إلى أن ترامب قد يسعى إلى إقناع نتنياهو بتوقيع اتفاق أمني مع سوريا خلال زيارته المرتقبة لواشنطن، لكن لا يوجد ما يضمن نجاح هذه المساعي.

ياسر النجار، كاتب ومحلل سياسي سوري، يرى أن ترامب مصمم على إلزام نتنياهو باتفاق أمني في سوريا، على غرار ما فعله في غزة. ويعزو ذلك إلى رغبة واشنطن في تحويل سوريا إلى رأس حربة في مكافحة الإرهاب ومنع عودة الجماعات المتطرفة.

ويرى النجار أن إسرائيل لا يمكنها تجاهل هذه الرغبة الأمريكية، وأنها ستضطر إلى التجاوب معها لتحقيق مصالحها الخاصة. ويعتقد أن سوريا أصبحت ورقة ضغط إضافية في يد الولايات المتحدة للتعامل مع إسرائيل.

تحليل الخبراء حول مستقبل المنطقة

في المقابل، يعتقد الدكتور مهند مصطفى، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أن سوريا لم تعد تمثل تهديدًا أمنيًا لإسرائيل منذ عام 1973. ويضيف أن نتنياهو لا يرغب في الدخول في أي اتفاقيات جديدة في المنطقة، لأنه يفضل الحفاظ على الوضع الراهن.

ويؤكد مصطفى أن نتنياهو يحاول إفشال اتفاق غزة لأسباب داخلية بحتة، وأنه قد يواجه صعوبات في التوصل إلى اتفاق مع سوريا أو لبنان. كما يشير إلى أن ترامب نفسه لم يفهم بشكل كامل ما تريده إسرائيل في سوريا، وأن جهوده للضغط عليها قد تكون غير مجدية.

ويتوقع مصطفى أن يحتاج ترامب إلى بذل جهود مضاعفة لإقناع نتنياهو بتقديم تنازلات في ملف سوريا، وقد يضطر إلى تقديم تنازلات أخرى، مثل العفو عن التهم الموجهة إليه، كجزء من صفقة أكبر.

الوضع في سوريا لا يزال معقدًا وغير مستقر، وتعتمد تطوراته على مجموعة متنوعة من العوامل الإقليمية والدولية. من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، مع التركيز على تحقيق الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب. لكن نجاح هذه الجهود ليس مضموناً، ويتوقف على قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى توافق في الرؤى والمصالح. يجب مراقبة الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين عن كثب، وتقييم التطورات على الأرض في سوريا لتحديد مسار الأحداث في المستقبل القريب.

شاركها.