أكد المحلل المالي المعروف، الدكتور أحمد بن علي، أن السوق السعودية تشهد حاليًا ما وصفه بـ”تصحيح صحي” بعد فترة من الارتفاعات الملحوظة. يأتي هذا التقييم في ظل تراجع مؤشر سوق الأسهم السعودية (تاسي) خلال الأيام القليلة الماضية، مما أثار بعض القلق بين المستثمرين. ويشير هذا التصحيح إلى إعادة تقييم للأصول وتعديل في توقعات النمو، وليس بالضرورة بداية اتجاه هبوطي طويل الأمد.
ويشمل هذا التراجع قطاعات رئيسية في السوق، بما في ذلك البنوك والعقارات والبتروكيماويات. وقد بدأ هذا الانخفاض في أواخر الأسبوع الماضي واستمر حتى بداية تعاملات هذا الأسبوع، مع حجم تداول مرتفع يعكس عمليات جني الأرباح وتعديل المحافظ الاستثمارية. تأتي هذه التطورات بعد فترة شهدت أداءً قويًا للسوق مدفوعًا بارتفاع أسعار النفط وتوقعات إيجابية للاقتصاد السعودي.
تحليل أعمق لـ “التصحيح الصحي” في السوق السعودية
يعرّف الدكتور بن علي “التصحيح الصحي” بأنه انخفاض مؤقت في أسعار الأسهم بنسبة تتراوح عادة بين 10% و 20% بعد فترة صعود كبيرة. ويهدف هذا التصحيح إلى استعادة التوازن في السوق وتقليل المخاطر المتراكمة نتيجة للتقييمات المرتفعة. ويؤكد أن هذا النوع من التصحيحات أمر طبيعي في دورات السوق، وغالبًا ما يتبعه استئناف للاتجاه الصعودي.
أسباب التصحيح الحالي
هناك عدة عوامل ساهمت في التصحيح الحالي في السوق السعودية، وفقًا لتقارير حديثة من شركة الاستثمار “الراجحي كابيتال”. من أهم هذه العوامل:
- تقلبات أسعار النفط: على الرغم من بقاء أسعار النفط مرتفعة نسبيًا، إلا أن التقلبات الأخيرة أثارت بعض المخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي وتأثير ذلك على الطلب على النفط.
- ارتفاع أسعار الفائدة: قرار البنك المركزي السعودي (ساما) برفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم قد أثر سلبًا على جاذبية الاستثمار في الأسهم، حيث يفضل بعض المستثمرين التحول إلى أدوات الدخل الثابت.
- توقعات النمو الاقتصادي: على الرغم من التوقعات الإيجابية للاقتصاد السعودي، إلا أن بعض التقارير تشير إلى تباطؤ طفيف في النمو العالمي، مما قد يؤثر على أداء الشركات المدرجة في السوق السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، يشير بعض المحللين إلى أن عمليات جني الأرباح كانت متوقعة بعد الارتفاعات الكبيرة التي شهدتها السوق في الأشهر الأخيرة. وقد استغل بعض المستثمرين هذه الفرصة لتحقيق أرباح، مما أدى إلى زيادة الضغط البيعي على الأسهم.
تأثير التصحيح على المستثمرين
قد يؤثر هذا التصحيح على المستثمرين بطرق مختلفة. بالنسبة للمستثمرين ذوي الأفق الطويل، قد يمثل هذا فرصة لشراء أسهم جيدة بأسعار أقل. أما بالنسبة للمستثمرين ذوي الأفق القصير، فقد يواجهون بعض الخسائر إذا لم يتمكنوا من بيع أسهمهم قبل استمرار الانخفاض.
ينصح الدكتور بن علي المستثمرين بالتحلي بالصبر وعدم اتخاذ قرارات متسرعة بناءً على تقلبات السوق قصيرة الأجل. ويشدد على أهمية تنويع المحافظ الاستثمارية والتركيز على الشركات ذات الأساسيات القوية والنمو المستدام. كما يذكر بأهمية الاستثمار في الأسهم السعودية كجزء من استراتيجية استثمارية طويلة الأمد.
في المقابل، يرى بعض الخبراء أن هذا التصحيح قد يكون فرصة لإعادة النظر في بعض الاستثمارات التي ارتفعت أسعارها بشكل مبالغ فيه. ويشيرون إلى أن السوق قد تحتاج إلى بعض الوقت لاستعادة الثقة وتحديد التقييمات العادلة للشركات.
القطاعات الأكثر تأثرًا
تظهر البيانات أن قطاع البنوك كان من بين القطاعات الأكثر تأثرًا بالتصحيح الحالي، حيث انخفضت أسهم العديد من البنوك الكبرى. ويرجع ذلك إلى المخاوف بشأن تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على نمو الائتمان وأرباح البنوك.
كما تأثر قطاع العقارات بشكل ملحوظ، حيث انخفضت أسعار بعض العقارات السكنية والتجارية. ويعزى ذلك إلى زيادة المعروض من العقارات وارتفاع تكاليف التمويل العقاري.
أما قطاع البتروكيماويات، فقد تأثر بتقلبات أسعار النفط وتوقعات تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، لا يزال هذا القطاع يتمتع بآفاق نمو جيدة على المدى الطويل، خاصة مع استمرار الاستثمارات في مشاريع توسعة جديدة.
بالإضافة إلى هذه القطاعات، شهدت بعض القطاعات الأخرى، مثل قطاع التجزئة وقطاع الاتصالات، انخفاضًا طفيفًا في أسعار الأسهم. لكن بشكل عام، كان تأثير التصحيح على هذه القطاعات أقل حدة.
وتشير التقارير إلى أن الاستثمار في السوق السعودي لا يزال جذابًا على الرغم من التصحيح الحالي، وذلك بفضل عوامل مثل الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة، وتنويع مصادر الدخل، والنمو السكاني، وزيادة الإنفاق الحكومي.
من الجدير بالذكر أن وزارة المالية السعودية أكدت في بيان سابق على التزامها بدعم النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل، وأنها تتابع عن كثب تطورات السوق المالية السعودية.
من المتوقع أن يستمر هذا التصحيح في الأيام القليلة القادمة، مع استمرار المستثمرين في تقييم المخاطر وتعديل محافظهم الاستثمارية. ومع ذلك، من المهم مراقبة تطورات أسعار النفط والسياسات النقدية للحكومة، بالإضافة إلى البيانات الاقتصادية المحلية والعالمية، لتقييم مدى تأثير هذه العوامل على السوق السعودية. الخطوة التالية ستكون صدور نتائج أرباح الشركات للربع الثاني من العام الحالي، والتي قد تعطي إشارة أوضح حول اتجاه السوق في المستقبل القريب.






