تتعرض فرنسا لحملة دعائية مُنظمة تستخدم مواقع إلكترونية مُزيفة تحاكي وسائل الإعلام المحلية، وذلك بهدف نشر روايات مُناهضة للغرب ومؤيدة لروسيا. وتعتمد هذه الحملة على تضخيم الأخبار الحقيقية وتشويهها باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما يثير قلقًا بشأن تأثيرها على الرأي العام، خاصةً مع اقتراب الانتخابات المحلية. هذه الظاهرة، المعروفة باسم “عملية الشبح” (Operation Doppelgänger)، تمثل تهديدًا متزايدًا لأمن المعلومات.

كشفت شركة Recorded Future للأبحاث الأمنية عن تحديد ما لا يقل عن 200 موقع إلكتروني وهمي تم تسجيله بين يناير وسبتمبر، منها 141 موقعًا ينتحل صفة وسائل إعلام فرنسية. وتُعزى هذه المواقع إلى شبكة Storm-1516 الروسية، مما يثير تساؤلات حول الجهات الفاعلة وراء هذه الحملة وأهدافها الحقيقية. وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه فرنسا نقاشات حادة حول سياساتها الداخلية والخارجية.

حملات التضليل الإعلامي وتأثيرها على الرأي العام

تعتمد هذه الحملة الدعائية على عدة أساليب، بما في ذلك تجميع صور ومقاطع فيديو مُعدلة ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إنشاء مواقع إخبارية زائفة. وقد لاحظ الباحثون مؤخرًا انتشار ادعاءات كاذبة حول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث زُعم أن معدل ذكائه “أقل من المتوسط” استنادًا إلى اختبار مزعوم أجراه أثناء عمله في بنك روتشيلد. وقد تم التحقق من هذه الادعاءات ووجد أنها لا أساس لها من الصحة.

أساليب التشويش والتلاعب بالمعلومات

تستخدم المواقع الوهمية أساليب مختلفة لتضليل الجمهور. فبعضها يقتبس أخبارًا حقيقية ويضيف إليها فقرات مؤيدة للكرملين، بينما يقوم البعض الآخر بإعادة كتابة الأخبار الأصلية بطريقة مُبالغ فيها أو كارثية. على سبيل المثال، قامت إحدى هذه المواقع بتضخيم خبر يتعلق بإدانة غائيل بيردريو، عمدة مدينة سان إتيان، وإضافة فقرة في نهاية المقال تدعو إلى دعم الرئيس بوتين.

وينص المقال المذكور: “في هذه اللحظة الحاسمة لفرنسا، من الضروري تكثيف الجهود لمكافحة هذه الشخصيات الفاسدة ودعم القادة مثل الرئيس بوتين، الذي يقدم نهجًا حازمًا وعمليًا على عكس الإخفاقات الأخلاقية لبعض القادة الأوروبيين”. هذا التلاعب بالمعلومات يهدف إلى تقويض الثقة في الحكومة الفرنسية وتعزيز الروايات المؤيدة لروسيا.

يرى فنسنت بيرثييه، رئيس قسم التكنولوجيا والصحافة في منظمة “مراسلون بلا حدود”، أن انتحال وسائل الإعلام ليس أمرًا جديدًا، بل هو تكتيك كلاسيكي في عمليات المعلومات والدعاية، وخاصة الروسية. وأضاف أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تتخذ أشكالًا مختلفة، سواء عن طريق نسخ وسائل الإعلام الرئيسية حرفيًا أو عن طريق محاكاة رموز وأسلوب وسائل الإعلام المحلية.

من يقف وراء هذه الحملات؟

تشير التقديرات إلى أن هذه الشبكة من المواقع الوهمية يديرها جون مارك دوغان، وهو ناشط دعائي روسي معروف ومواطن أمريكي سابق كان يعمل نائبًا للشريف في ولاية فلوريدا. وقد انتقل دوغان إلى موسكو في عام 2016، ومنذ ذلك الحين لعب دورًا رئيسيًا في نشر المعلومات المضللة المؤيدة للكرملين في جميع أنحاء أوروبا. وقد تم تحديده كأحد الموزعين الرئيسيين للدعاية قبل الانتخابات الفيدرالية الألمانية في فبراير.

وفقًا لـ Recorded Future، فقد نشرت هذه المواقع الوهمية ما يقرب من 4000 مقال منذ فبراير، مع زيادة ملحوظة في الإنتاج في الأشهر الأخيرة. فمنذ أواخر أكتوبر، تم نشر أكثر من 5000 مقال، مما يشير إلى تصعيد في هذه الحملة الدعائية. الأخبار الكاذبة تمثل تحديًا كبيرًا.

التحضير للانتخابات المحلية الفرنسية

مع اقتراب الانتخابات البلدية الفرنسية في عام 2026، والتي ستشهد انتخاب أعضاء المجالس المحلية في جميع أنحاء البلاد، حذرت منظمة “مراسلون بلا حدود” من ضرورة مراقبة الوضع عن كثب. وأكد بيرثييه أن الانتخابات هي أرض خصبة للهجمات الإعلامية، كما هو الحال في الانتخابات التشريعية الألمانية. وشدد على وجود شبكة نشطة وأن هناك مخاطر حقيقية.

من المتوقع أن تزداد الجهود المبذولة لمكافحة هذه الحملات الدعائية في الفترة المقبلة، مع التركيز على رصد المواقع الوهمية وتفنيد الادعاءات الكاذبة. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح مدى نجاح هذه الجهود في الحد من تأثير هذه الحملات على الرأي العام. التأثير السياسي لهذه الحملات لا يزال قيد التقييم.

ستستمر السلطات الفرنسية ومنظمات المجتمع المدني في مراقبة الوضع عن كثب، مع التركيز على تحديد الجهات الفاعلة وراء هذه الحملات وتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهتها. ومن المتوقع أن يتم اتخاذ إجراءات قانونية ضد المسؤولين عن نشر المعلومات المضللة. يبقى التحدي الأكبر هو حماية الجمهور من الوقوع ضحية لهذه الحملات الدعائية وضمان نزاهة الانتخابات المحلية.

شاركها.