استطاع مشروع “ري بير” (RePAIR) استخدام أذرع روبوتية متطورة في عملية ترميم الآثار المعقدة في مدينة بومبي الإيطالية، وذلك بإعادة تجميع قطع من اللوحات الجدارية الأثرية التي تعرضت للتدمير على مر العصور. يمثل هذا التقدم خطوة هامة في مجال الحفاظ على التراث الثقافي، حيث يجمع المشروع بين الذكاء الاصطناعي والروبوتات الدقيقة لتسريع عملية الترميم التي كانت تستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً.
تم الكشف عن نتائج هذا المشروع التجريبي في أواخر نوفمبر 2025، بحضور فرق بحثية دولية في الموقع الأثري بمدينة بومبي. يهدف المشروع، الذي بدأ عام 2021 بالتعاون مع جامعة كا فوسكاري في البندقية، إلى تطوير طرق جديدة وفعالة لإعادة تجميع القطع الأثرية المتفرقة، خاصةً تلك التي تضررت بسبب الكوارث الطبيعية أو الحروب.
تكنولوجيا متطورة في خدمة ترميم الآثار
يعتمد مشروع “ري بير” على دمج عدة تقنيات متقدمة. تشمل هذه التقنيات التعرف المتقدم على الصور، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي لحل الألغاز المعقدة، بالإضافة إلى أذرع روبوتية فائقة الدقة قادرة على التعامل مع القطع الأثرية الهشة بحذر شديد. يقول غابرييل زوختريجل، مدير الموقع الأثري، أن الفكرة نشأت من الحاجة الماسة لإعادة تجميع أجزاء من اللوحات الجدارية التي دمرت خلال الحرب العالمية الثانية.
تحديات إعادة التجميع
تتركز جهود الباحثين حالياً على جداريات محفوظة بشكل مجزأ في مستودعات بومبي، بما في ذلك لوحتان سقفيتان كبيرتان تضررتا في البداية بسبب ثوران بركان بومبي، ثم تعرضتا لمزيد من التدمير خلال القصف في الحرب العالمية الثانية. يواجه الفريق تحدياً كبيراً في إيجاد القطع المتطابقة وإعادة تركيبها بشكل صحيح.
يشبه خبراء الترميم مهمة إعادة تجميع هذه اللوحات الجدارية بمحاولة حل أحجية صور مقطوعة ضخمة، ولكن بدون وجود صورة مرجعية واضحة، بالإضافة إلى فقدان بعض القطع الأساسية. هذه الصعوبة تجعل عملية الترميم التقليدية بطيئة ومكلفة.
وللتغلب على هذه المشكلة، قام الفريق بتجربة الأذرع الروبوتية على نسخ طبق الأصل من القطع الأثرية المتضررة، مما يسمح لهم بتحسين الخوارزميات وتدريب الروبوتات قبل التعامل مع القطع الأصلية. هذه الخطوة ضرورية لضمان عدم إلحاق أي ضرر إضافي بالآثار الثمينة.
لا يقتصر استخدام هذه التقنيات على مدينة بومبي فحسب، بل يمكن تطبيقها على مواقع أثرية أخرى حول العالم التي تعاني من مشكلات مماثلة في الحفاظ على التراث. تعتبر هذه التكنولوجيا واعدة بشكل خاص في المناطق التي تعرضت لصراعات أو كوارث طبيعية، حيث يمكن أن تساعد في استعادة الآثار المدمرة بسرعة وفعالية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد هذه التقنيات في توثيق الآثار بشكل أفضل وإنشاء نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد عالية الدقة، مما يتيح للباحثين والجمهور استكشاف هذه المواقع التاريخية عن بعد. هذا الجانب من المشروع يساهم في تعزيز السياحة الثقافية وجعل التراث العالمي أكثر سهولة للوصول إليه.
يعتبر هذا المشروع خطوة مهمة نحو دمج التكنولوجيا في مجال علم الآثار، مما يفتح آفاقاً جديدة للحفاظ على التراث الثقافي للأجيال القادمة. كما أنه يسلط الضوء على أهمية التعاون الدولي بين الجامعات والمؤسسات البحثية لتبادل المعرفة والخبرات في هذا المجال.
من المتوقع أن يستمر الفريق البحثي في تطوير وتحسين الأذرع الروبوتية وخوارزميات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في المشروع خلال الأشهر القادمة. تهدف المرحلة التالية إلى اختبار هذه التقنيات على قطع أثرية أصلية، مع اتخاذ أقصى درجات الحذر لضمان سلامتها. سيتعين مراقبة مدى دقة الروبوتات وقدرتها على التعامل مع التحديات غير المتوقعة التي قد تنشأ أثناء عملية الترميم.






